قبل أيام مضت ونحن نمارس التجارة بأسلوب (مع الخيل يا شقرا) ونجهل ما معنى الاستثمار الحقيقي والقواعد الأساسية للتجارة، لأن افتتاح المحل التجاري لا يعني لنا سوى الربح في نهاية الأمر حتى لو أجرنا المحل للعامل في النهاية.
لقد دخل الكثير من الناس للأسف بطريقة (يا تصيب يا تخيب) فمنهم من جمع (قرشين) بعد سنوات طويلة من الكد والعمل وقام بافتتاح مشروع تجاري، فكانت النتيجة الفشل والخسارة لآلاف المشاريع التي نفذت بشكل ارتجالي غير مدروس.
مشاريع اقترض أصحابها آلاف الريالات، نفذت بناء على قرارات وقتية ارتجالية، تمت في استراحة أو لقاء عابر أو آراء وأحلام وطموحات غير ناضجة، أو حتى لمجرد التقليد، فامتلأ البلد بالكثير من العمالة غير الضرورية التي سرحت أو التي تعمل لحسابها في تلك المحلات!
لقد ظهرت في البداية طفرة البقالات، وتلتها المشاغل النسائية، ومحلات الخياطة الرجالية، والمطاعم، ثم محلات بيع العسل إلى أن وصلت إلى محلات الكهرباء والسباكة والمكتبات التجارية، وخدمات الطالب!!
والآن نمر بطفرة افتتاح الصيدليات، فقلما تجد شارعاً الآن حتى لو كان فرعيا لا يخلو من صيدلي سعودي مستثمر يفكر في أن يقفل صيدليته بسبب الخسائر التي لحقت نتيجة لهذه المنافسة المحمومة التي دخلها الكثير من المستثمرين البعيدين كل البعد عن هذه المهنة، وقد حدثني أحد الصيادلة السعوديين أن تجار الأعشاب الطبية، والعسل، والهيل دخول هذا المجال أيضاً فأصبحوا ينافسون الصيادلة السعوديين!!
لقد كان إعطاء ترخيص محل لافتتاح صيدلية في السابق يعتمد على الكثافة السكانية وعلى بعد كل صيدلية عن الأخرى، أما الآن فأصبح ما يفصل الصيدلية عن الصيدلية صيدلية أخرى، ولا يتعدى الحصول على الترخيص ساعات قليلة، ولا أدري هل السبب في ذلك قرب تطبيق التأمين الصحي على المواطنين؟! أم أن الأمر لا يتعدى حالة من حالات التقليد أو استغلال فرصة منح التأشيرات؟
إن التسابق في افتتاح مزيد من الصيدليات - التي تزيد مساحات البعض عن أربع وخمس فتحات - أصبح واضحاً، لأي شخص ملاحظته، وفي المقابل نلحظ ضعفاً في الرقابة من قبل الجهات المتخصة، أدى إلى انتشار بيع الأدوية غير المسجلة، وبيع الأدوية المغشوشة، وتوزع من قبل مندوبين غير سعوديين يسعون إلى الربح على حساب صحة الناس، ناهيكم على أن الكثير من الأدوية لازالت تباع في الخفاء.
إن الصيدليات اليوم أصبحت أكثر الطرق للقضاء على البطالة في الكثير من الدول التي أصبحت تصدر لنا خريجي الصيدلة حتى لو كان بتقدير (مقبول)، وأصبح انتشار الصيدليات كانتشار البقالات الصغيرة، فإذا كانت تلك البقالات التي لا تتجاوز مساحتها 15 متراً يعمل أكثر من أربعة وافدين إضافة إلى ما استقدموه من زوجات وأبناء، فكم يا ترى سيعمل في الصيدلية الواحدة خاصة أن بعض الصيدليات تتجاوز مساحتها 200 متر، علماً أن هناك مشاريع ومصانع وطنية ناججة تواجه الكثير من العقبات في مجالات الاستقدام.
لقد تعودنا على أن نشاهد أكثر من عشر بقالات في شارع واحد وأكثر من محل نجارة متلاصقة في شارع واحد، فأصبحنا هذا العام نشاهد تلك الأعداد من الصيدليات تجاوز تلك المحلات، مئات من الصيدليات أصبحت تتسابق لبيع مستحضرات التجميل، وأنواع العسل، والأعشاب المقوية، الجميع يتسابقون في افتتاح المزيد من المحلات واستقدام المزيد من العمالة والجهات الرقابية لا زالت تتفرج!.