أصبحت الدكتوراه في الدول النامية طريقاً معبداً وسهلاً للوصول إلى المناصب العليا والكراسي الوزارية ذات الصفة القيادية دون التدقيق في تناسب الاختصاص العلمي لهذه الدرجة الأكاديمية ومتطلبات الوظيفة والمنصب وكأنها تختزل كل مصوغات التأهيل الوظيفي ولهذا السبب تضاعفت الرغبة في الوصول إلى المنصب الرفيع عن طريق الحصول على الشهادة الكبيرة كما يسميها اخوتنا في مصر العربية والمصيبة تضاعفت أيضاً مع الاتجاه غير المشروع في نيل هذه الدرجة العلمية عن طريق الانتساب للجامعات ذات السمعة الأكاديمية المعروفة بأمانتها العلمية وظهرت أسماء لجامعات تجارية لا تهتم بسمعتها الأكاديمية تناجي من أجل المادة قبل العمل في سوق الشهادات العلمية المزورة.
وكانت الجامعات في الدول الاشتراكية تناجي بهذه الشهادات العلمية فبدأت هذه الظاهرة غير الأخلاقية في جامعة صوفيا وبراغ وبودابست وبعض الدول المشكلة لمجموعة الاتحاد السوفيتي وبأثمان رخيصة رخص القيمة العلمية لتلك الشهادات وكانت عصابات يهودية تروج لمثل هذه الشهادات وانتشر هذا الوباء في (بعض) الجامعات غير المعترف بمكانتها العلمية في أوروبا وأمريكا وتوجت فضائحها التزويرية في ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز بأن هناك جامعات غير محترمة علمياً تناجي بشهادات الدكتوراه ومن ضمن قائمة طلبتها الذين يحملون شهادات عليا سبعون سعودياً.
وفي اختصاصات ليست ذا صفة علمية مهنية مثل إدارة الأعمال، العلاقات العامة وتاريخ الفنون والحضارات القديمة وغيرها في الاختصاصات ذات الصفة الثقافية العامة حتى يسهل على مزور الشهادة الانسجام في مجتمعه الثقافي دون الحرج في كشفه علمياً في اختصاصات مركزة مثل الكيمياء والفيزياء والاحصاء التطبيقي والمحاسبة والاقتصاد والقانون.
ودرجة الدكتوراه ليست آخر المطاف في تلقي العلوم والثقافة بل هي السلم الصحيح لإدراك الحقيقة العلمية والتوسع في طرحها بشكل علمي صادق للمجتمع ولم تكن أبداً سلماً قصيراً للمنصب الرفيع.
فدراسة الاختصاص لنيل شهادة الدكتوراه لا تتعدى في معظم جامعات العالم عن دراسة أكاديمية لمدة ثلاث مراحل دراسية وبعضها تشترط كتابة (رسالة) علمية لتناقش من قبل لجنة علمية من أساتذة اختصاص المادة المطروحة ويسمى هذا النوع من الدراسة (بالدكتوراه العليا) Higher doctorates وتطبق ذلك معظم الجامعات الأمريكية والبريطانية وجامعات الشرق الأوسط، وهناك نوع آخر في درجة الدكتوراه وتسمى (بدكتوراه دولة) Research doctorates وتعتمد على بحوث في مادة الاختصاص وتركن في بحث موسع لموضوع واحد ينال الطالب درجة الدكتوراه بموجب اجازته في اللجنة العلمية في الجامعة ويطبق هذا النظام العلمي جامعة السوربون الفرنسية المشهورة وبعض الجامعات الألمانية والنمساوية ومعظم الجامعات التركية الرسمية أما الأهلية فتتبع النظام الأمريكي بوجوب إعداد الرسالة العلمية، ونوع ثالث يطلق عليه (دكتوراه مهنية) professional phd. تمنحها الجامعات التطبيقية في الهندسة والكيمياء والفيزياء بكل صنوفها وتتطلب كشف أو تطوير اختراع علمي حديث في هذه المجالات المهنية.
وآخر الأنواع الدكتوراه الفخرية Honorary doctorates وتمنح بناء على توصية في رئاسة الجامعة لبعض الشخصيات القيادية الدولية التي قدمت للإنسانية خدمات جليلة تقديراً لجهودهم العالمية، واني أحيي بتقدير عال الطالبة السعودية النجيبة فريال العومي التي رفضت شهادة الماجستير من احدى الجامعات الإنجليزية التجارية والتي أرسلت لها الشهادة على صندوق بريدها بعد دراسة أشهر قليلة، أن تعريب لقب (دكتور) تطابق تماما كلمة مدرس أو أستاذ تؤهله هذه الإجازة الدراسية ليكون مدرساً في المراحل الجامعية وليس مؤهلاً مشروطاً لوظيفة وزير.
والمشكلة الأعمق والأخطر في الدول النامية سياسة وضع الدكتور المرشح لغير وضعه المناسب فمجرد أن حرف (الدال) يسبق اسمه تفتح له كل الاقفال الوظيفية فيوضع مثلا دكتور مختص في الجغرافيا وحتى لو كان (بروفوسورا) مديراً لجامعة أمنية إقليمية تدرس علوم مكافحة الجريمة والقانون الدولي العام والخاص والعلاقات الدولية والأمن الفكري وأصول مكافحة الإرهاب الدولي فأين الجغرافيا في كل هذه الاختصاصات العلمية، ومع احترامي وتقديري لعلوم الجغرافيا ودراسة المناخ والبيئة والتضاريس ومجالها الطبيعي قسم الجغرافيا في كليات التربية والأنواء الجوية.
محلل إعلامي - عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية