من السهل اتهام المجاميع كالقبائل والشعوب والأمم وتهميجهم (إذا جاز الاشتقاق). (هذولا همج) كلمة جاهزة تساهم في حل كثير من المشاكل لأنها تعفي من كثير من المسؤوليات. نستطيع أن نقول إن أهل جدة فوضويون وأهل الرياض يرفضون المرح وأهل الدمام لا يقدرون مكتسبات مدينتهم.. إلخ. عندما تتهم أهل جدة بالفوضى فهذا كلام عام لا يتجه إلى شخص محدد أو جهة محددة. لن تجد من يهتم بتفنيد هذه المقولة ودحضها؛ فعدد أهل جدة يفوق الثلاثة ملايين. جاؤوا من مناطق مختلفة وهم متعددو المستويات الثقافية والتعليمية وحتى توجهاتهم متضاربة وكل مشغول بهمومه وهذا ينطبق على كل المدن والتجمعات الكبيرة. قولنا هؤلاء همج مفيد لمسؤول المرور ومسؤول الصحة العامة وكل مسؤول آخر قد يطاله اللوم. كلمة بسيطة تبرئ الذمة، خصوصاً أن الشعب العربي، وليس السعودي فقط، اعتاد على جلد الذات وتهيأ سيكولوجياً ليصبح متهماً في كل الأحوال. تحولت مشاكله وآلامه واحتياجاته إلى شيء شبيه بالنكتة. بنظرة بسيطة سنرى أنه من الظلم أن نحمّل سكان الرياض أي مسؤولية عن المشاكل المرورية التي تعاني منها المدينة. خذ الطرق الداخلية في الأحياء لا أرصفة ولا خطوط سير ولا لوحات إرشادية ولا تحديد أولوية عبور. طرق مسفلتة لا علاقة لها بالسيارات. من الواضح أن الذي صممها كان في ذهنه حركة البعارين فقط. وعندما تتصل بالمرور في حادث يصلك بعد خراب مالطة. وآلاف يقودون سياراتهم بلا رخص وولدان لم يبلغوا الحلم يحملون تصاريح للسياقة، وهكذا قس على بقية الخدمات الكهرباء والماء والبلديات. لاحظ معي أن هؤلاء الهمج المتهمين بالفوضى في الرياض أو جدة إذا شاهدتهم في البحرين أو في دبي ولا أقول لندن أو باريس، سوف تعرف أن النظام الذي ينتظم فيه الناس وطريقة تطبيقه هو أصل التمدن وليس الفرد أو القبيلة أو الشعب.
لماذا استطاع صندوق التنمية العقاري - على سبيل المثال - أن ينجو من الواسطات والمحسوبيات في الوقت الذي تبقى كثير من المصالح تعاني من هذه الآفة المهلكة؟ في فترة من الفترات قفز أداء إدارات الجوازات في المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة مبتعدة عن شقيقاتها الدوائر الأخرى مسافة كبيرة، وأيضاً من السهل أن نلاحظ اختلاف الأداء في الوزارات مع اختلاف الوزراء الذين يقودونها. التعميمية التي نستريح لها هي الأداة التي أبقت شعوب العالم (الثالث) يرزحون تحت خط التمدن؛ لأنها تنقل المسؤولية من جهة معروفة محددة إلى جهة متشعبة وغامضة ولا هوية لها. شيء نسميه الشعب. هذولا همج. كلمة يعتاش عليها المسؤولون الذين يخفقون في أداء واجباتهم. عندما تحدثت يوم الأربعاء الماضي عن الناس الذين يقضون حاجاتهم في الخلاء وفي الحياييل سمعت من يقول رح شف حمامات المساجد عشان تعرف أن العلة ليست في المسؤولين بل في الناس. قد يكون هذا صحيحاً ولكن هذا لا يعفي المسؤول من القيام بواجباته. تحدي الهمجية التي نتهم بها الناس لا يأتي من تخيل أو فرضية أو من نموذج واحد. أولاً ننجز واجباتنا كمسؤولين عندئذ نقيس درجة الهمجية. هل هي من تخلف الناس أم من تخلف الإدارات وضعف أداء القائمين عليها؟
ما زلت عند رأيي يا ابن فليح أن العالم الثالث هو المسؤول لا الشعوب نفسها حتى لو خيمتوا في صحراء القطب الجنوبي.
فاكس 014565576
yara.bakeet@gmail.com