إن الحملات، سواء كانت سياسية أو عسكرية، تُشَن طمعاً في النصر، والحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية الحالية لا تشكل استثناءً من هذه القاعدة.
إن المرشحين الديمقراطي والجمهوري يبذلان قصارى جهدهما لتمييز نفسيهما عن الرئيس الحالي المحروم من الشعبية، فضلاً عن محاولة كل منهما تمييز نفسه عن الآخر أثناء الأسابيع الباقية قبل التصويت.
ولسبب وجيه يركز المراقبون على أوجه الاختلاف بين المرشحين فيما يتصل بالسياسة الخارجية، وهي في العديد من المناطق واضحة وكبيرة. ومع ذلك فما زال بوسعنا أن نتبين بعض أوجه التشابه بين المرشحين، وذلك لأن بعض اختلافاتهما في الرأي ليست صريحة وقاطعة كما قد يبدو الأمر، ومن ناحية أخرى لأن القيود التي سيواجهها رئيس الولايات المتحدة القادم من شأنها أن تحد من نطاق أي إنجاز قد يسعى أي من الرجلين إلى تحقيقه في المنصب.
ولنتأمل هنا مسألة العراق، وهي القضية الأكثر إثارة للجدال في السياسة الأمريكية طيلة الأعوام الخمسة الماضية. إن باراك أوباما يؤكد على نحو منتظم أن قرار الذهاب إلى هذه الحرب كان مَعيباً إلى أقصى الحدود؛ أما جون ماكين فإنه يؤكد على مدى تغير الأمور منذ أوائل العام 2007، حين تم تعزيز قوات الولايات المتحدة هناك وتعديل إستراتيجيتها. وربما كان علينا أن نعذر المراقبين إذا تصوروا أن الرجلين يتحدثان عن نزاعين مختلفين.
ولكن ماذا عن المستقبل؟ من الواضح، أياً كان الفائز بالانتخابات في نوفمبر-تشرين الثاني، أن العراق لن تهيمن على السياسة الخارجية للولايات المتحدة أثناء السنوات القادمة على أي نحو يشبه ما كانت عليه الحال طيلة السنوات الأخيرة. فنحن الآن ندخل إلى مرحلة ما بعد العراق في السياسة الخارجية الأميركية. والدليل على هذا أن الحضور العسكري للولايات المتحدة يتضاءل في العراق. وما يختلف عليه المرشحان يرتبط بتوقيت وسرعة هذا التخفيض، وليس فيما يتصل باتجاهه العام.
وفي المقابل، سوف يتزايد التزام الولايات المتحدة عسكرياً في أفغانستان، وسوف ترتفع أعداد القوات الأميركية هناك ارتفاعاً ملموساً. ويدعم هذا التكهن ذلك التقييم الشائع على نطاق واسع والذي يؤكد أن الميول في أفغانستان (على العكس من الحال في العراق) سلبية، وأن الولايات المتحدة لابد وأن تعزز من حضورها العسكري هناك وأن تعدل من إستراتيجيتها إن كانت راغبة في منع طالبان من الإمساك بزمام الأمور.
من المفهوم على نطاق واسع أيضاً أن باكستان قد أصبحت جزءاً من المشكلة. فالآن تحولت المناطق الغربية من باكستان إلى ملاذ للميليشيات المسلحة والإرهابيين الذين يدخلون إلى أفغانستان ويخرجون منها بحرية. وهنا يبدي باراك أوباما قدراً أعظم من الاستعداد لإقناع الولايات المتحدة بشن غارات عسكرية من جانب واحد ضد الإرهابيين إذا ما أتيحت الفرصة. ولكن أياً كان المرشح الذي ستختاره أميركا فسوف يجد نفسه في مواجهة اختيارات عصيبة إذا ما ظلت باكستان المسلحة نووياً عاجزة أو غير راغبة في العمل كشريك لأميركا وتحمل مسؤولياتها في الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب.
المنطقة الثالثة التي تحتمل قدراً من الإجماع بين المرشحين (والتي تبعد بعض الشيء عن نظرة جورج دبليو بوش) هي مسألة تغير مناخ العالم. فبعد أن يتولى الرئيس القادم، لن تظل الولايات المتحدة تشكل عبئاً على الجهود الدولية الرامية إلى تأسيس نظام عالمي يسعى إلى وضع سقف لمعدلات انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري. ومن بين النتائج المترتبة على هذا التطور المرجح في سياسة الولايات المتحدة هو أن تتحول الضغوط نحو بلدان أخرى، وبصورة خاصة الصين والهند، لحملها على قبول بعض الحدود التي من شأنها أن تقيد سلوك تلك البلدان على الصعيد الاقتصادي.
إن الرئيس القادم، سواء كان ماكين أو أوباما، سوف يتخذ الخطوات اللازمة لتحسين صورة أميركا في العالم. ومن بين القرارات الأولى التي سيتخذها الرئيس القادم أن يفرض حظراً على كافة أشكال التعذيب. ومن المتوقع أيضاً أن يتخذ قراراً مبكراً بإغلاق معتقل خليج غوانتانامو، حيث تحتجز الولايات المتحدة المشتبه بهم في جرائم الإرهاب منذ سنوات ومن دون محاكمة.
تشكل إيران منطقة أخرى حيث الفوارق بين المرشحين قد لا تكون حادة كما توحي الحملة الانتخابية - على الأقل في البداية.
فقد أكد كل من المرشحين أن وجود إيران المسلحة نووياً أمر غير مقبول. ويكاد يكون من المؤكد أن الفائز بمنصب الرئاسة سوف يسارع إلى تبني مبادرة دبلوماسية جديدة تهدف إلى إنهاء قدرة إيران المستقلة على تخصيب اليورانيوم. بيد أن تفاصيل مثل هذه المبادرة ليست واضحة، ولا نستطيع أن نجزم بما قد تفعله الولايات المتحدة في حالة فشل مثل هذه المبادرة.
إن تصريحات المرشحين بشأن إيران تقترح فلسفتين دبلوماسيتين مختلفتين. إذ يبدو أن أوباما ينظر إلى الاجتماع بالزعماء الأجانب باعتباره عنصراً طبيعياً من عناصر السياسة الخارجية، ويمكن توظيفه كأداة من بين العديد من الأدوات. أما ماكين فمن الواضح أنه يتبنى نظرة مفادها أن مثل هذه الاجتماعات تعتبر نوعاً من المكافأة، ولا ينبغي تقديم مثل هذه المكافأة إلا بشروط مسبقة (كما هي الحال مع إيران)، وقد تُسحَب حين يتجاوز الطرف الثاني بعض الخطوط، كما فعلت روسيا في شهر أغسطس-أب حين غزت جورجيا.
ورغم هذه الفوارق فإن أياً من المرشحين سوف ينتهج في حالة فوزه سياسات أقرب إلى السياسات التي تبناها بوش أثناء فترة ولايته الثانية، وليس فترة ولايته الأولى. فمع إجهاد المؤسسة العسكرية وفي ظل الاقتصاد المأزوم، لن يجد الرئيس القادم الكثير من الخيارات باستثناء الحديث.
وفيما يتصل بقضايا أخرى، مثل التجارة، فالفوارق واضحة بين المرشحين. إذ إن ماكين مناصر قوي للتجارة الحرة مقارنة بمنافسه أوباما. بيد أن هذا الفارق قد يكون أقل تأثيراً مما قد نتصور في مستهل الأمر.
فالكونغرس يلعب دوراً كبيراً فيما يتصل بالسياسة التجارية، واليقين الذي يكاد يكون مؤكداً فيما يتصل بنمو أغلبية الحزب الديمقراطي في الكونغرس بعد الانتخابات يعني أن النزعة إلى الحماية سوف تنمو أيضاً.
إن الأوقات العصيبة اقتصادياً سوف تزيد من صعوبة توليد الدعم للاتفاقيات التجارية، على الرغم من الأهمية الحالية التي تتسم بها الشركات القائمة على التصدير بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
هناك أوجه اختلاف حقيقية ومهمة بين المرشحين حين يتصل الأمر بكيفية التعامل مع العالم.
بيد أن أوجه الشبه أكثر مما قد تبديه لنا المناظرات والحملة الانتخابية. والحقيقة أن الجوانب المهمة من السياسة الخارجية التي سوف ينتهجها الرئيس القادم واضحة إذا ما قرأ المراقبون بين السطور وانتبهوا إلى ما لا يُقال بقدر انتباههم إلى ما يُقال.
مدير قسم التخطيط لدى وزارة خارجية الولايات المتحدة سابقاً، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك حالياً. - نيويورك
خاص بالجزيرة