العنوان الكامل لهذا الكتاب:(تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أمريكا) وقد صدر من دار الريس للكتاب والنشر في بيروت عام 2004م. وهو مكوّن من 324 صفحة ذات حجم متوسط، مشتملة على قسمين، أولهما مكون من مقدمة وستة فصول، وثانيهما مكوّن من خمسة فصول، ويلي القسمين ملحقان، وفهرس للأعلام وآخر للأماكن.
أما مؤلف الكتاب فهو الأستاذ منير العكش، الذي يعيش في واشنطن، ويصدر مجلة (جسور). وقد حاز عام 1983م على وسام أوروبا لحوار الحضارات، وهو من المهتمين جداً بتاريخ الهنود الحمر المرتبط بما ارتكبه بحقهم من جرائم الأنجلو ساكسون الذين احتلوا، واستعمروا قارة أمريكا الشمالية، وكان قد كتب كتاباً مركزاً أكثره على هذا الموضوع.
وجعل عنوانه: (حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية). وصدر ذلك الكتاب من دار الريس في بيروت عام 2002م. وكتبت عنه عرضاً في صحيفة الجزيرة من ثلاث حلقات عام 1424هـ - 2003م.
وقد جاءت عناوين فصول القسم الأول من كتاب الأستاذ العكش.. تلمود العم سام.. كما يأتي:
الأول: فكرة أمريكا، والثاني: من الافتراس إلى الهضم، والثالث: الثقافة المستباحة، والرابع: بيضة الأفعى، والخامس: العقيدة القيامية ودم الشيطان، والسادس: يعبدون إسرائيل ويكرهون اليهود.
أما القسم الثاني من الكتاب ففصوله: الأول: حدود الإمبراطورية، والثاني: موسى العصر والنزعة القيادية، والثالث: حق الحرب، والرابع: فكرة أمريكا وينابيع عنفها، والخامس: بحثاً عن أم. وأما الملحقان فعنوان أولهما (الجلاَّد المقدّس)، وعنوان ثانيهما (حوار الحضارات وحرب استئصال الأصالة).
جعل الأستاذ العكش عنوان مقدمة كتابه (هذا ربّهم). وهذا العنوان مقتبس من قول أحد زعماء الهنود الحمر الذي خطب في جماعته، وسألهم: من هو ربّ هؤلاء الذين غزو أرضنا وفعلوا فينا الأفاعيل؟ ثم رفع صرّة من الذهب، وقال: هذا ربّهم. وقد بدأ تلك المقدمة باقتباس مقطع من كلام المطران الإسباني بوتولومي دي لاسكازاس في كتاب تقرير مختصر عن تدمير الهنود، وهو:
يزعمون (يعني قومه الأسبان الغزاة لأمريكا) أن الله هو الذي أرسلهم لفتح هذه البلاد الآمنة المطمئنة، وأنه هو الذي وهبهم حق تدميرها ونهب خيراتها. إنهم لا يختلفون عن أولئك الذين يقتلون ويسرقون ثم يقولون: مبارك هو الرب.. لقد صرنا أغنياء).
وبعد أن أشار الأستاذ العكش باختصار إلى شيء مما ارتكبه الأسبان في حق سكان أمريكا الأصليين قال: إن الإنجليز الذين اجتاحوا شمال أمريكا بزّوا الأسبان في التقتيل والفتك.. وإن (فكرة أمريكا) التي تطوّع الدين لأهدافها الإمبراطورية ظلّت سائدة لديهم. وهي فكرة مستمدة من فكرة إسرائيل التاريخية القائمة على الأسس الآتية:
1- اجتياح أرض الغير.
2- إبدال سكانها بسكان غرباء أو استعباد من لا يموت منهم.
3- إبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم.
ثم عرض تنفيذ تلك الأسس، مشيراً إلى أن كتابه الذي كتبت معظم فصوله في السبعينيات من القرن الماضي، محاولة لإيضاح الخطر المهدد لبقاء أمتنا، المتمثل في (فكرة أمريكا) القائمة على أساطير العبرانيين الأولين، وأطروحات نهاية التاريخ القيامية، بدءاً بحضارة العراق وبقية حضارات الشرق العربي القديم، وانتهاء بتوطين يهود العالم في فلسطين.
أما الفصل الأول من القسم الأول من كتاب الأستاذ العكش فأول جزء من عنوانه -كما هو الجزء الأول من عنوان الكتاب نفسه، وهو (تلمود العم سام).
وقد تحدث في أكثره عن جرائم الأنجلو - ساكسون المحتلين لقارة أمريكا الشمالية ضد سكانها الأصليين، الذين سمّوا الهنود الحمر. وحديثه معتمد، بدرجة كبيرة، على كتابه الذي سبقت الإشارة إليه، وهو حق التضحية بالآخر.. وفي حديثه عن تطبيقات ما يعنيه هذا العنوان بالنسبة للعرب أشار إلى أن هناك اقتناعاً متوارثاً لدى الأنجلو ساكسون المتصهينين بأن أمريكا هي الجسر إلى مملكة الله، وأنهم هم يد الله التي ستبني أورشليم (القدس) الجديدة، وأن ذلك الاقتناع مؤكد عليه من قبل كل رؤساء أمريكا، بدءاً من جورج واشنطن الذي أكده في خطبة له عام 1796م، وانتهاء بكلينتون الذي أكدّه في خطاب له، عام 1998م أمام ألفين من رجال السياسة والفكر وأعضاء الكونجرس؛ حيث شبّه نفسه بالملك سليمان وشبّه الأمريكيين بشعب الله المختار، وشكرهم على إرشاداتهم التوراتية للتعامل مع العراق، وعلى رسائلهم المشجعة على قصفه.
لقد ظلت أمريكا تعدّ العدة - كما قال بول جونسون - لبناء أورشليم الجديدة على أنقاض مدينة القدس.
ومما تجدر الإشارة إليه في حديث الأستاذ العكش في الفصل الأول من الكتاب الذي تتناوله القراءة ذكره لفئة من الكتَّاب العرب الذين يسميّهم (عرب المؤرخين الصهاينة الجدد). ويقول عن هؤلاء: إنهم أخذوا يشتمون كل من يصف الإسرائيليين - وهؤلاء صهاينة - بأنهم أعداء أمتنا. وضرب مثلين لهؤلاء. الأول كاتب راح يهلّل لمجيء حزب العمل الصهيوني إلى الحكم قائلاً: إن إسرائيل حكومة وشعباً، ستكون جارتنا الطيّبة التي نقيم معها المشروعات الاقتصادية والثقافية والعلمية المشتركة. ويستغرب ذلك المهلل كيف وصل الانحطاط والتخلف بالعرب إلى درجة وصف الإسرائيليين بأنهم أعداء مع أنهم أبناء عمومتنا وجيراننا، إضافة إلى أنهم إخوتنا في الإنسانية. والمثل الثاني كاتب راح يلوم العرب بأنهم لم يعملوا على تحسين صورتهم أمام الآخرين، وقال: إن تحسين هذه الصورة يتم بالوسائل الآتية:
1- ترويج الرقص الشرقي، وهو من أشد أنواع الرقص تعرياً وفحشاً.
2- تعليمه للآخرين.
3- إنفاق المال في مجاله بعيداً عن استقراء تاريخ الأمة وتراثها وحضارتها.
أما الفصل الثاني من القسم الأول - وعنوانه (من الافتراس إلى الهضم)- فبدأه المؤلف باقتباس من كلام لأمريكيين قالاه، عام 1898م لوصف تعامل قومهما مع الآخرين، وبخاصة الهنود الحمر:
كان التعامل مع الأعراق الدنيا (يعني شعوب أمريكا الأصليين) بالسكّين والبندقية هو الأجدى.. نعم كانت عملية إبادة، ولكنها كانت خلاصاً لعرقنا الأنجلو- ساكسوني وطهوراً لصفائه.. لقد حفظت (الإبادة) أصلنا من التهجين.. فلماذا لا تستمر عملية الإبادة أثناء التوسع خارج القارة إذن؟).
وإذا كان ذلك الموقف قد صور نظرة اثنين من الأنجلو - ساكسون الذين احتلوا شمال أمريكا، وارتكبوا جرائم شنيعة ضد أهلها الأصليين، فإنه ليس من المستغرب أن يكون هو الموقف نفسه لزعيم من ذلك الجنس العنصري في المكان الذي انطلق منه إلى العالم، بما فيه قارة أمريكا. فقد قال ونستون تشرشل في خطاب له أمام لجنة بيل الصهيونية، عام 1937م، ملمحاً ومبرراً إحلال الصهاينة في فلسطين محل أهلها الأصليين:
(إني لا أوافق على أن للكلب حقاً نهائياً في المكان الذي يقيم فيه مهما طالت إقامته فيه. ولا أعترف - مثلاً- بأن ما أصاب الهنود الحمر في أمريكا، أو الشعب غير الأبيض في أستراليا، خطأ فاحش. ولا أعترف بأن ما أصابهم كان سوءاً لمجرد أن جنساً أقوى.. جنساً أعلى - أو لنقل جنساً أكثر حكمة - قد حل محلهم).
على أن ما في هذا الفصل يكاد يكون مضمونه منطبقاً على ما في كتاب الأستاذ العكش (حق التضحية بالآخر) بالنسبة لما ارتكبه المحتلون الأوروبيون لأمريكا بحق الهنود الحمر، إبادة، وإحلال مستعمرين محل سكان أصليين، واستخدام أناس من هؤلاء عملاء لتفتيت النسيج الاجتماعي لمن بقي حياً منهم.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم أرسلها إلى الكود 82244