مجالس الإدارات وأسلوب إدارتها تختلف باختلاف الرئيس ومدى قدرته على إدارة المجلس بالأسلوب الصحيح، فالأكثرية من الرؤساء ينفردون بالقرار حسب رغبته مهما خالف آراء بقية الأعضاء أو المنطق أو المصلحة العامة، وتكون المصالح الشخصية أو الميل الشخصي هو المسيطر على القرارات.
لقد شاركت في العديد كعضو في مجالس إدارات مختلفة حكومية أو شبه حكومية أو مجالس إدارات للقطاع الأهلي، ومن خلال تلك المشاركات أصبح لدي القناعة بأن الأكثرية من رؤساء المجالس وليس الكل لديهم هذه الصفة وهي فرض رغباتهم على قرارات المجالس مهما كانت.
ولقد شرفني المقام السامي في الآونة الأخيرة بأن أكون أحد أعضاء مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، التي يرأس مجلس إدارتها معالي الدكتور غازي القصيبي - وزير العمل ونائبه معالي الأستاذ سليمان الحميد - محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وكانت أول جلسة للمجلس بدورته الجديدة، قد عقدت بعد إجازة عيد الفطر المبارك مباشرة وفي مكتب معالي الدكتور غازي بوزارة العمل، وكان قبل الجلسة بساعتين هناك لقاء للأعضاء الجدد في المجلس مع معالي الأستاذ سليمان الحميد ومجموعة من كبار المسؤولين بالمؤسسة، للتعريف بالمؤسسة ونظامها ولوائحها ...الخ، وكان لقاءً ممتازاً قدم الأستاذ سليمان وزملاؤه الكرام شرحاً وافياً عن المؤسسة استفاد منها الحضور من الأعضاء الجدد، بعد ذلك انتقلنا إلى مكتب معالي وزير العمل، وعند اكتمال حضور الأعضاء دخل معالي الدكتور غازي القصيبي إلى قاعة الاجتماعات وبدأ بالترحيب والسلام على كل فرد في القاعة، وكان يذهب إلى الشخص ولم ينتظر الحضور أن يأتوا إليه (كما يفعل بعض رؤساء المجالس).
وبعد جلوس كل في مكانه المخصص، بدأ معالي الدكتور بكلمة مختصرة بترحيبه بالحضور والأعضاء الجدد، وقبل أن يبدأ باستعراض جدول الأعمال المعد للجلسة، بدأ بطرفة ابتسم لها الجميع، لم تتعد دقيقتين أو ثلاث، بعد ذلك بدأت الجلسة واستعرض معاليه البنود بنداً بنداً، وفي أحد البنود طال النقاش كثيراً، وفي نهاية المطاف أتاح معالي الدكتور غازي الفرصة للجميع للتحدث، ثم طرح معاليه سؤالاً وطلب من الاخوة الأعضاء الإجابة بنعم أو لا، دون تعليل أو شرح، وسؤاله هل تؤيد الاعتراض على قرار المؤسسة أم لا؟
أجاب الحضور من الأعضاء وكانت الكفة مع عدم قبول الاعتراض حيث إنه يخالف الأنظمة لدى المؤسسة، بعدها ابتسم معالي الرئيس، وقال إن رأيي ليس له فائدة وسوف احتفظ به لنفسي، كان رأي معالي الدكتور هو أنه مع الاعتراض أي ضد قرار المؤسسة، وقال لقد احتفظت برغبتي إلى النهاية ولم أقله في بداية التصويت حتى لا يتأثر الآخرون أو يصوتوا بما هم غير مقتنعين به، مجاملة لي. وتم الاتفاق على عدم قبول الاعتراض، على الرغم من أن معالي رئيس الجلسة وبعض الأعضاء يرغبون غير ذلك.
في الحقيقة ومن سابق خبرتي في بعض مجالس الإدارة أن رغبة الرئيس هي التي تتم مهما كان الأمر، إلا أنني فوجئت بموافقة معالي رئيس المجلس في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الدكتور غازي القصيبي على أكثرية التصويت وعدم فرضه قرارا كان يرغبه أو يرى أنه الأصح طالما الأكثرية رأت غير ذلك.
* هنا نجد عدة دروس حبذا لو استفاد بعض رؤساء الجلسات منها وهي على سيل المثال لا الحصر:
1 - الحضور للجلسة في موعدها تماماً من قبل رئيس الجلسة.
2 - عدم انتظار الحضور للقيام للسلام على الرئيس بل هو من قام بذلك وذهب لكل واحد من الحضور وصافحه.
3 - بدأ الجلسة بطرفة ضحك لها الجميع وأعطت صبغة أخوية على الجلسة وكسرت حدة التوتر أو الخجل في بعض الجلسات وخاصة الجلسة الأولى.
4 - مزاولة الديمقراطية في قرارات المجلس دون التشدد وفرض قرار أو رغبة الرئيس.
5 - إعطاء جميع الأعضاء الفرصة في التحدث والمناقشة وإبداء الرأي، حيث شعر الأعضاء بأن لرأيهم قيمة وأن حضورهم الجلسة ليس مجرد تكملة عدد فقط.
هذه دروس يجب أن نستفيد منها من معالي الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، ويجب أن نطبقها في اجتماعات مجلس الإدارة حتى تعم الفائدة، وحتى يكون لكل عضو في المجلس دور فعال. معالي الدكتور كان يطبق عملياً ما كان قد كتبه منذ سنوات عديدة في كتابه المشهور (الحياة في الإدارة).
شكراً معالي الوزير على هذا الأسلوب في إدارة الجلسات ويا حبذا لو يستفيد الآخرون من هذا الأسلوب.. والله من وراء القصد.
عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية