يعد قرار مجلس الشورى في توصيته الأخيرة عن منظومة وحزبه الأنظمة العقارية ومنها نظام الرهن العقاري، حيث تم رفعه إلى مقام مجلس الوزراء المصادقة عليه ولاستكمال الإجراءات النظامية، بمثابة خطوة أخرى هامة تستهدف دفع السوق العقارية وتنظيمه، أسوة بنظام المساهمات العقارية، ووصفها البعض بالخطوة التي طال انتظارها لاكتمال منظومة نظم السوق العقارية.
ونظراً لقرب صدور نظام الرهن العقاري فسأحاول في هذه الزاوية أن أشير إلى بعض أحكامه الفقهية بصورة مبسطة قدر المستطاع، وبالذات المسائل والأحكام التي تتعلق بالتعاملات بين طالب التمويل والممول على اعتبار أن الرهن سيكون أهم الضمانات للمديونيات. ومن ثم سأتطرق. إن شاء الله للتعليق على مشروع النظام الذي نشرته عدد من الصحف. أو النظام ذاته في حال كان صادراً في وقت الكتابة.
الرهن في اللغة: الثبوت والدوام، يقال: ماء راهن أي: راكد ودائم، ومعناه في كلام الفقهاء: جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذّر الوفاء، ويقصد بالتعريف: أن هناك ديناً لشخص في ذمة شخص آخر، ولسداد هذا الدين فإن الدائن يطلب من المدين ما يضمن له أن الدين سيسلّم في وقته وإلا فللدائن أن يستوفي دينه من العين المرهونة أو من ثمنها، ويستمد الرهن مشروعيته وأحكامه من النصوص الشرعية في الكتاب والسنة.
واعتبر المتعاملون في السوق على أهمية مشاريع الأنظمة الجديدة للتمويل العقاري والأنظمة المساندة لها التي سوف تساهم حال إقرارها والعمل بها في نضج السوق العقاري، خاصة في دمج السوقين المالي والعقاري كونها خطوة مهمة في إدخال السوق العقارية في الدورة الاقتصادية للبلد من خلال تحويل الأصول العقارية إلى سيولة مالية تضخ في السوق المحلي، خاصة أن المملكة تمتلك أصولاً عقارية كبيرة جداً وستشكل نقلة نوعية لتحديث الأنظمة والتشريعات، حيث يترقب العاملون في القطاع العقاري السعودي صدور هذه الأنظمة لإزالة الجدل الدائر حول عمليات التمويل التي تتم حالياً من قبل بعض الشركات والمؤسسات المالية في السعودية، لأنه بحسب المتابعين يساهم في اكتمال المعادلة التي تضمن حقوق الطرفين، وهما المستثمر العقاري والمؤسسات التمويلية. وكان فريق متخصص من وزارة المالية قد قام بدراسة تجارب ومنظومات التمويل العقاري في عدد من الدول التي تم اختيارها، على أساس وضوح أنظمتها ورياديتها في أنظمة التمويل الإسكاني كالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، أو التقارب الاجتماعي كمصر، والأردن، وماليزيا، وباكستان.
وتأتي أهمية صدور هذا النظام في ظل ما كشف عنه في دراسات حول حاجة القطاع العقاري في السعودية إلى وحدات سكنية تزيد قيمتها على 1.1 تريليون ريال خلال السنوات العشرين المقبلة وتعوّل الأوساط العقارية أن يسهم تطبيق هذه الأنظمة في حل الكثير من العقبات التي تعترض نمو السوق العقاري، والحد من ارتفاع أسعار العقارات، وتوافر المساكن بشكل كبير، ما يؤدي إلى خفض نسبة التضخم التي سجلت ارتفاعاً كبيراً في المملكة خلال الفترة الماضية، كما ستساهم هذه الأنظمة في انطلاق شركات وصناديق تمويل عقارية ما يسهم بفتح قنوات عدة للتمويل تنعكس إيجابياً على حركة السوق عموماً.
فنظام الرهن العقاري يعد مكملاً لنظام التسجيل العيني للعقار الصادر ونظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها ونظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره، وكلها أنظمة تصب في تطوير السوق وجعله أكثر شفافية وأمناً للمستثمرين.
ويتوقع العقاريون والخبراء أن يساهم نظام الرهن العقاري في دفع الجهات التمويلية والبنوك لتوسيع نشاطها في قطاع العقارات في ظل ما سيطرحه النظام من ضمانات تحفظ حقوقها.
وسيساهم هذا المناخ المطمئن الذي سيوفره النظام في حال إقراره في إنشاء مشاريع عقارية كبيرة تعتمد على الاقتراض من البنوك كما يحدث في الخارج، وينتظر أن يكون للبنوك دور رئيسي في تمويل تلك المشاريع.
وسيفتح النظام الباب بقوة للعديد من شركات القطاع الخاص والتمويل العقاري والبنوك للاستثمار في المجال العقاري وفق ما يتضمنه من وضوح في نصوصه ومواده وإجراءات الرهن وتسجيله وحجيته وإيضاح الاختصاصات والضمانات والجزاءات وحقوق والتزامات الراهن والمرتهن.
وستشكل هذه الأمور تصحيحاً وإيضاحاً فعلياً لحقيقة الرهونات والبيوعات على حقيقتها، حيث سيتم القضاء على صورية البيوعات المنطوية على رهونات حقيقية والقضاء والحد من المخاطر الاستثمارية مما يكون له كبير وعظيم الأثر في ازدياد حركة التمويل العقاري وقروض البنوك وتحسين أوضاع الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع السعودي. كما يتوقّع أن تشهد السوق العقارية تطوراً وفق الأوضاع الجديدة، بالإضافة إلى رفع مستوى أداء السوق.
وسيساهم النظام في فتح مجال جديد للنشاط العقاري، لم يسبق أن دخله بشكل كبير في السابق، ألا و هو إسكان ذوي الدخل المحدود.
فسيتيح النظام لفئة عريضة، وهي فئة محدودي الدخل والتي كانت بعيدة عن العقار، الفرصة لتملك مسكنها بالقسط وسينجم عن ذلك فائدة تعم المستثمر القائم بالمشروع والمستفيد والممول، حيث سيأخذ التمويل العقاري دورته الاستثمارية.
وكل هذا سيتم في إطار يحفظ الحقوق لأطراف المعادلة، كما سيتاح لفئة الدخل المحدود من الاستفادة مما سيتيحه لها النظام من مرونة وسعر فائدة منخفض ومدة القرض الطويلة لتحقيق حلمها في تملك سكنها سيرفع ذلك من حركة سوق العقار وسيساهم في دخول الأموال في أوعية استثمارية صحية.
وسيتطلب تحقيق ذلك طرح شركات جديدة تعمل في مجال تمويل العقارات إلى جانب الدور الذي من المفترض أن تلعبه البنوك أيضاً، والتي لا بد أن تطور آلياتها لتتعامل مع الداخلين الجدد للسوق.
ومن المنتظر أن تعمل هذه الشركات والمؤسسات المالية لرهن العقار على تقديم التسهيلات اللازمة لتمويله مقابل الرهن وسينعكس ذلك إيجابياً على حركة السوق عامة وإتاحة الفرصة لذوي الدخل المتوسط والمحدود والداخلين الجدد في معترك الحياة لبناء مساكن مستقلة لهم.
كما سيكون للنظام دور كبير في تسيير حركة رؤوس الأموال المستثمرة في قطاع العقار وزيادة سرعة دورتها، فمن خلال المعاملات في إجراءات التقسيط يسهل الاستفادة من الأموال المجمدة في العقار بحيث تتم الاستفادة منها في مشاريع عقارية أخرى.
ويرى البعض أن النظام سيساهم بشكل غير مباشر في علاج مشكلة إحجام بعض المستثمرين عن الاستثمار في العقار بسبب تعثر بعض المستأجرين عن دفع مستحقات أصحاب الوحدات السكنية التي يسكنونها، وهي مشكلة تتزايد ويعاني من تبعاتها قطاع العقار وساهم في زيادتها غياب نظام بخصوص إخراج المستأجر من العقار.
ويتوقع أن يساهم هذا النظام في دفع هؤلاء المستثمرين المحجمين عن دخول السوق إلى ضخ أموالهم في السوق من جديد وبأسلوب آخر وهو بناء وحدات سكنية ليست للإيجار بالتملك من خلال نظام الرهن العقاري.
مما يعني استعادة السوق لأموال هجرته وأحجمت عنه، وستساهم عودتها في انتعاشة عقارية ستستفيد منها قطاعات عريضة من المجتمع، وخصوصاً أن هذه الأموال العائدة كان يستثمر أغلب أصحابها في قطاع الإسكان المتوسط وما دون المتوسط وهو قطاع الأكثر انتشاراً في مدننا والذي بحاجة للمزيد من التوسع أمام زيادة عدد السكان والحاجة لتوفير مسكن للفئات المتوسطة والمحدودة الدخل.
* مستثمر وباحث في الشأن العقاري