يقف العالم اليوم بجميع دوله وخبرائه ومنظريه عاجزاً - وبلا حيلة - وفي ذهول قاتل أمام ما يعصف به من انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، دون أن يجد مخرجاً ينقذه من هذا الحصار المدمر لكل البنى الاقتصادية الدولية.
***
وكل ما تم عالمياً حتى الآن لإيقاف زحف هذا الضيف الثقيل، أو الحد من آثاره، لا يعدو أن يكون مسكناً خجولاً ربما عجز حتى عن تأخير تسارع نتائجه المضرة باقتصاديات دول العالم، فضلا عن أن يكون علاجاً ناجحاً للمشكلة.
***
وكل ما قيل من أسباب وتداعيات لهذه التطورات غير المحسوبة أو المقدرة عن هذه الأزمة في جانب، وما يمكن اعتباره سبباً رئيساً وحقيقياً ومتقدماً على غيره (وأعني به الفساد) الذي استشرى في المؤسسات المالية في الدول الكبرى في جانب آخر.
***
فلا الرهن العقاري ولا غيره يمكن أن يحدث مثل هذا الزلزال القوي وبهذه السرعة، لولا أن البيئة التي كانت تدار من خلالها العمليات المالية قد أمَّنت الغطاء المناسب للفساد الذي استشرى بين قيادات ومسؤولي هذه المؤسسات، ليصحو العالم أمام هذا الخطر المحدق بما بناه وأنجزه على مدى سنوات.
***
ولم تكن المفاجأة في سرعة هذه التطورات التي أخذت تنهش في جسم الاقتصاد العالمي لتحيله مريضا كما هو حاله الآن، وإنما في إخفاء ذلك، والتجاسر على تكرار الادعاء بأن دول العالم على ثقة بأنها تحتكم إلى أنظمة اقتصادية قادرة على حماية المصالح العامة للدول والناس.
***
ومع أني لا أريد أن أبدو في صورة ذلك الشخص المتشائم من الجهود التي تبذل والمحاولات التي تتم لتطويق الأزمة والخروج منها بنتائج تقلل من تداعياتها ولو بأقل الخسائر، فإني آمل من بين التمنيات أن تتفاعل الدول مع المقترحات والأفكار البناءة التي تمكن الاقتصاد العالمي من إمكانية الخروج معافى من غرفة الإنعاش، بدلا من الاستسلام والقول بإنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
***
غير أن هذا التفاؤل وإن صاحبه الخوف والشعور بالإحباط لدى غالبية الناس، ينبغي أن يقود دول العالم إلى التفكير بصوت مرتفع في طرح الحلول الجادة لمعالجة المشكلة، وبخطط تحول دون تكرار هذه الأزمة أو استفحالها، وهذا لن يتحقق إلا بالوضوح والشفافية، وبتر كل يد فاسدة وكل أناني لا يهمه إلا مصلحته، حتى ولو كان سلوكه سبباً في غرق غيره بالطوفان.
***
أهم من المشكلة المالية والاقتصادية التي أطلت علينا بهذه الخطورة، وبهذا التأثير السلبي على اقتصاديات الدول، وفاجأتنا بتداعيات لم يكن أيٌّ منا يفكر أنها سوف تكون بالحسبان ولا سيما مع إعلان بعض البنوك والشركات العالمية إفلاسها، أن نستفيد من هذا الدرس، وأن نتعلم منه، وأن نتحاشى مستقبلاً ما يقود إلى تكراره بسبب سلوكيات تتمثل في الفساد وغياب الرقيب.
***
إن أحداً سواء على مستوى الدول أو الأفراد لن يكون في مأمن من أن يمسه ضرر كهذا، وأن يناله شيء من آثار هذه الأزمة، لكن مثل هذا الضرر سوف يتفاوت حجم تأثيره من دولة إلى أخرى، ولعله من باب التطمين أن تكون المملكة من بين الدول القليلة التي يتمتع اقتصادها ووضعها المالي بما يكفي من الحماية التي تجعلنا لا نخاف عليه، ولا يساورنا الشك في قدرته على الصمود في مواجهة هذه العواصف الزاحفة بقوة نحو هذا الجسم العالمي المريض.
***
وعلينا أن نتذكر ما اعتبرها الملك عبد الله بن عبد العزيز حرباً اقتصادية، في تعليقه على الأزمة الاقتصادية المستفحلة في العالم خلال لقائه برؤساء التحرير، وهو وصف دقيق وتشخيص صحيح لحالة غير طبيعية، وتأكيد منه على أن المملكة تتفهم ما تعنيه هذه الأزمة، وأنها تعي خطورتها وأبعادها، وبالتالي فهي تتعامل معها تعامل الدولة الخبيرة والواعية والمدركة لخطورتها، ما جعلها تضع البرامج والخطط للحيلولة دون إلحاق أي ضرر كبير باقتصادنا ومركزنا المتنامي بقوة.