Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/10/2008 G Issue 13179
الثلاثاء 29 شوال 1429   العدد  13179

هذرلوجيا
العرب أوفياء لبداوتهم!!
سليمان الفليح

 

قديماً كان أهلنا العرب في صحرائهم الخلواء من وسائل الإيصال والاتصال يستهلون قصائدهم العصماء بذكر النجائب والنجابين الذين يتوسلون إليهم بإيصال ما يعتمل في نفوسهم أو وصف حالات النوى عن الأهل والأحبة والديار فهذا هو الشاعر العربي عبديغوث الحارثي يبتدئ قصيدته الشهيرة التي رثى فيها نفسه كما رثى مالك بن الريب نفسه بقوله حينما أسره بنو التيم وربطوا لسانه بشسعة جلد؛ لئلا يقول شعراً قبل الموت أو يوصل رسالة ما. أقول ها هو عبديغوث يقول:

(يا راكباً أما وصلت فبلغن

نداماي في نجران أن لا تلاقيا

أقول وقد شدوا لساني بشسعه

أمعشر تيمٍ أطلقوا لي لسانيا)

وهكذا وصلت القصيدة إلى قومه عبر ذلك الراكب المتجه إليهم لينقل لهم حالته في الأسر.

وحينما طوع العرب الهجن السريعة من الإبل واتخذوها وسائل للاتصال السريع ها هو الشاعر البدوي محدى الهبداني يقول:

(يا راكباً من عندنا فوق عنسي

عنسي ولد عنسيه من عماني

عنسٍ سبرس بالسواد الوغطسي

قطاع دوٍ هوذلي سوسحاني)

وقد استخدم العرب الحمام الزاجل في إيصال الرسائل وناجوا سائر الطيور لإيصال ما يعتلج في صدورهم؛ فها هو أحد شباب البادية يعمل عسكرياً في الكويت في أوائل الستينات ويرسل إلى محبوبته عبر الطير هذه الرسالة:

(يا طير يا خافق الجنحان

سلّم اليا جيت لي خلي

قل له ترى مسكني (جيوان)

معسكر الجيش بيتٍ لي)

وحينما تطورت وسائل الإيصال والاتصال واستخدم العرب السيارة (الوانيت) تحديداً، ها هو بندر بن سرور يرسل (خطه) - أي رسالته مع سائق الوانيت بقوله:

(يا هل الوانيت اللي على مدمّره (ميم)

(نقل الرياض) الخط ما توصلونه

والله لو أقضب طارته يالمغانيم

فلا أقلد بالذي يضعونه)

ثم حينما استخدم العرب التلفون ها هو الشاعر علي القحطاني يقول:

(على الهاتف الدولي بعيد المسافات

يكلمني المحبوب سيد البناتي)

وحينما تطورت الوسائل أكثر وأكثر ها هو شاعر خليجي معروف يخاطب محبوبته بقوله:

ان لقيت الخط مشغولي

دق لي (بالندا الآلي)

أي بجهاز (البيجر) ثم يختصر الاتصال صديقنا الشاعر الكويتي صلاح الساير بقوله:

(ميلي يا حلوه ميلي

على السماعه ميلي

جيتك بالتليفون

جيني بالفاكسميلي)

أي أن وسائل الاتصال والإيصال تطورت حتى أصبحت اليوم عبر (النت) والsms ولكننا رغم ذلك نبقى مخلصين لتراثنا الأول؛ فها هو الصديق العذب والشاعر الرائع الرقيق والوفي (ثاني عويجان) يرسل لي بالأمس هذه (القصيدة - المسج) التي يقول فيها:

(الا يا طير وصل لي سلامي

لأديب شاع بين الناس صيته

سليمان الفليح أبو سامي

يطول الوقت، يقصر ما نسيته

عزيز له معزه واحترامي

يقدرني وانا افرح لا جيته

أعز اسمه على كل الاسامي

وحياه اللي يحج الناس بيته)

أي أن الصديق ثاني نسي أنه يرسل لي أشواقه من خلال أحدث وسيلة للاتصال sms وبالرغم من ذلك ها هو يناجي الطير كما يفعل الأسلاف، ألا ترون إذن أننا أوفياء لتراثنا مهما تقدمنا؟! ومني له بالغ الوفاء ولكن ليس وفاءً للتراث (كله !!).

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7555 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد