في مقارباته وأحاديثه - وهو من غير المولعين والمتيمين بالفتاوى إنتاجاً - ما ينم عن (سماحة وفضيلة) في ذاته.. وقوامها من وعي وكياسة ورويِّة.
* فضلاً عن حمولات تلك (المقاربات والأحاديث) من موضوعات تعني الناس.. وتحقق جوانب من فقه المقاصد.. وقضايا الشريعة ومسائلها.. المرتبطة بالناس ومعاملاتهم.. غير متدن إلى السفاسف والنزهات.
* يتصدى للأهم منها.. بوصفه مشتغلاً بالبحث الفقهي.. وتفريعاته الشرعية.. اجتهاداً ومراجعة وتأصيلاً.. يعيش واقعه.. ولا ينفصل عنه.. ويتماس بانعطافاته.. ليبيِّن ما يلخص إليه من اجتهاد.. غير مدع الصواب.. ولا غاضٍ أو مسفهٍ لآراء (الآخرين)..!
*.. هذا العالم الجليل.. يخرج إلينا في (رمضان) متسامياً عفَّاً جريئاً.. في تناول ما يستنكف غيره مقاربته.. وإعلانه والجهر به.. يخرج طارحاً ما يمس العمق من بنية (خطابنا الديني).. مجترحاً بالسؤال مسافة موضوعية.. كثيراً ما خلع عليها أقطابها قطعية الصحة وجبرية القبول فيقول:
* (هل كل علماء العالم الإسلامي سوى السعوديين مبتدعون..؟ وهل كل علماء المملكة على منهج واحد..؟) (سؤال) لو أفضى به غير (العبيكان).. لرُجِم بقسوة الاعتراضات.. ولأُلب عليه وشُكك في نواياه..؟ ولكن الشيخ عبد المحسن العبيكان: ينضوي تحت ظلال المؤسسة الدينية.. ويشكل ركيزة من ركائزها.. لذا فهو المصان من لوثة التأويلات.. والمحصن ضد مفسري النوايا.. ونقيصة الاستعداءات؟
* و(سؤاله).. يطرح إشكالية كبرى.. كثيراً ما جلب علينا التسليم والاحتفاء بكل أطروحاتها عدم ثقة الأقربين ونفور الأبعدين (سؤاله) يرج كيان عبودية الامتثال ومذلَّة التبعية..!
* وهو- العبيكان - من الحصافة والدراية والوعي.. بما لا يجعل (سؤاله) شعاراً يجتلب به (المتيمون) بالاختلاف.. فقد كان في سياق رده على أحد المشايخ الأجلاء.. سياق ابتدأه العبيكان بقوله: (الحق يؤخذ من كل أحد ولا يختص بالسعوديين وكفى ما عاناه المسلمون من العصبية المقيتة).
* ويقول العبيكان سدد الله رؤاه.. رداً على قول لذلك الشيخ نصه: (ويلزم مما قلت أن علماء المملكة إذا أفتوا بمنع البناء على القبور والغلو في الأموات وإقامة الموالد البدعية أن يكون للعلماء في الخارج الذين يرون له خلاف ذلك أن يتدخلوا في هذه الفتوى ويعارضوها ويجب أن نسمع منهم) - يقول العبيكان: (هذا إلزام باطل وتلاعب بالعواطف لا يلجأ إليه إلا من أعياه الدليل واشتغل بمخاطبة عواطف القراء) وما أكثر من تكوَّن زاد شعبيتهم واستقام قبول الناس وامتثالهم لهم بفعل مغازلة العاطفة.. ومراكمة هشيم أفكار وقناعات منقوعة بأذهان ووجدانات رثَّة .. بعيداً عن المنهج العلمي المبني على الدليل وسداد الرؤية وخلوص النية ورصانة الإجراء..
* وبقي أن نقول.. إن كل ذلك في سياق قضية (توسعة المسعى) الذي أغناها العبيكان بحثاً وتقصياً وتحليلاً بالدليل والاستنتاج ومنهجية الباحث وأخلاقيات عالم الشرع المتنور.. ولم يترك مجالاً لهوى من ابتغى سحبها إلى تثوير عاطفة وتحريك انفعال.. واستقواء بشعارات تسيء لعلماء المسلمين.. وتستقطب الدهماء والعامة..
* ونتمم بالقول: إن العبيكان إذ ينطلق من موقف علمي محترم.. ويجترح (سؤالاً) بالغ الأهمية.. ويعلق الجرس في غيهب سكون..؛.. إنما يبتغي سؤال المنهج أولاً.. وتشريخ جوهر القاعدة الذهنية وتصحيح محتواها.. بما نحسبه جرأة علمية تقايس المسافة بين العالم والواعظ.. بارك الله فيه وفي علمه ونفع به الأمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.