Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/11/2008 G Issue 13187
الاربعاء 07 ذو القعدة 1429   العدد  13187
(الوحدات الصحية بين وزارتين)
د. سعد بن عبد العزيز الراشد

تناقلت الصحف أن وزارة التربية والتعليم في طريقها للتنازل وإخلاء مسئوليتها عن قطاع مهم من قطاعاتها المباشرة وهو (الإدارة العامة للصحة المدرسية) إلى وزارة الصحة.. وهذا التوجه ربما له مسوغاته في نظر بعض المسئولين والمنظّرين..

.. أنه الإجراء السليم لتحديد الاختصاصات لأجهزة الدولة.. فقد أقدمت الدولة على إعادة هيكلة عدد من الوزارات والمصالح الحكومية بهدف التغيير للأفضل، وهذا ما حصل في وزارة التربية والتعليم نفسها عندما تنازلت عن قطاعين مهمين من القطاعات التي تبنتها وأشرفت على تنميتهما سنوات عديدة (بموجب قرار وزاري) هما: وكالة الآثار والمتاحف التي اندمجت مع الهيئة العامة للسياحة، وكليات المعلمين التي ضمت إلى وزارة التعليم العالي.. وهذا التنازل له ما يبرره وتوجُّه سليم من الدولة لوضوح الرؤية للنهوض بهما وفق توجُّه واضح وسليم، أما بالنسبة لتخلي الوزارة عن الصحة المدرسية فهو قرار متعجل وآحادي التوجُّه وإن وجد تأييداً من البعض داخل كواليس وزارة التربية أو من فرح به من مسئولي وزارة الصحة.. وهذا القرار إن تم فسيؤدي إلى نتائج عكسية تربوية وصحية.

الذين يجهلون تاريخ التعليم في بلادنا من بداية توحيدها، يجهلون كذلك الدور الصحي الذي قامت به وزارة المعارف منذ تأسيسها، وحذت حذوها الرئاسة العامة لتعليم البنات عند إنشائها.. كنا لا نعرف رعاية صحية إلا من خلال المدرسة، داخل المدن وفي القرى والهجر بل وفي أقصى نقطة وصلها التعليم.. كنا لا نعرف المستشفيات ولا المستوصفات إلا بعد معاناة ورحلة سفر شاقة، وكانت وزارة المعارف مثل ما كانت معنية بالتعليم ومكافحة الأمية فقد كان لها دور مهم في التوعية الصحية ومكافحة الأوبئة وتقديم اللقاح والتطعيم لوقاية وتحصين الطلاب من الأمراض الوبائية والمُعدية، ووضعت الوزارة نظاماً موزوناً للتأكد من السلامة الصحية لكل طالب وطالبة قبل الالتحاق بالتعليم، والانتقال من مرحلة إلى مرحلة في سلم التعليم، وكسبت الوزارة من خلال الوحدات المدرسية خبرة كبيرة في اكتشاف الحالات المرضية المبكرة والأمراض الطارئة والمستعصية فخففت بذلك على أولياء الأمور الكثير من المتاعب، وهناك أمور أخرى كثيرة معنية بها الوزارة في تتبع حالات سلوكية وغيرها من الحالات المعلومة لدى التربويين والتربويات، فالرعاية الصحية للطلاب والطالبات أمر في غاية الأهمية.. ولا أحسب أن وزارة الصحة اليوم وحتى في المنظور القريب لديها الجاهزية الكافية لإدارة الوحدات الصحية للبنين والبنات التي يزيد عددها - حسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم - عن (250) وحدة صحية ويعمل فيها ما يقارب من (4500) موظف بين أطباء وطبيبات وفنيين وموظفين.. وإذا كانت المسألة هي تبعية إدارية فإن وزارة التربية والتعليم قادرة بفضل خبراتها التراكمية على الاستمرار بدورها (الوقائي) بالتنسيق والتعاون مع وزارة الصحة كما هو القائم حالياً.. وأذكر أن معالي وزير الصحة الحالي ثمَّن الدور الكبير الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم في الرعاية الصحية للطلاب والطالبات، لكون الوزارة هي الحاضنة لفلذات الأكباد، ترعاهم وتعلمهم وتكتشف مشاكلهم النفسية ومعاناتهم الصحية، فالمعلم والمعلمة هما من يواجهان الطلاب والطالبات وملازمان لهم ويتعرفان عليهم وعلى حالاتهم أكثر مما يعلمه الآباء والأمهات في كثير من الأحيان.. ووزارة الصحة تعلم ذلك، بل إن وزارة التربية والتعليم كانت وما زالت خير معين لها في حملات التوعية الصحية المستمرة وبخاصة في أوقات الأزمات الطارئة مثل مكافحة حمى الوادي المتصدع، والملاريا وغيرها من الأخطار التي تهدد الصحة.. وزارة التربية هي الحاضرة دوماً في المجتمع، ووحداتها الصحية تقدم برامج مميزة في التوعية بالصحة للطلاب الذين يُشكِّلون أكثر من ربع سكان المملكة، ومن تلك البرامج التوعية بالغذاء والنظافة وبمخاطر التدخين ومكافحة المخدرات وحملات التثقيف المتواصلة التي تستهدف بالإضافة إلى الطلاب والطالبات، الآباء والأمهات والمعلمين والأمهات. وأذكر بهذا الصدد أنه عندما تقلَّد جلالة الملك خالد -رحمه الله- مقاليد الحكم وجَّه بتشكيل لجان وزارية تزور مناطق المملكة بهدف التعرف على أحوال المواطنين وحاجاتهم من المرافق والخدمات، في تلك الزيارات التي شملت أماكن بعيدة كانت لوحات الترحيب التي وضعها الأهالي خاصة بوزارة المعارف دون باقي المصالح الحكومية المجهولة لدى الكثيرين منهم لأنهم وعوا على هذه الدنيا وهم لا يرون أمامهم إلا التعليم والمعلمين والمعلمات (المغتربين والمغتربات) والأطباء المتجولين، والرعاية الصحية التي تقدمها لهم الوحدات الصحية في المدارس.. إن بلادنا لم تصل بعد إلى بلوغ هدفها في تقديم رعاية صحية متكاملة لكافة المواطنين، ووزارة الصحة ليس لديها الجاهزية لتطوير الوحدات الصحية المدرسية في حالة انتقال تبعيتها لها، ولن تكون وزارة الصحة بديلة لوزارة التربية والتعليم في تقديم الخدمات الصحية الوقائية للطلاب والطالبات.. المسألة ليست مسألة مال يثقل كاهل ميزانية وزارة التربية والتعليم، فالدولة لن تتخلى عن دورها في متابعة المسيرة لمكافحة المرض والجهل، وعندما يكون لدينا مراكز رعاية صحية أولية مكتملة في المدن والقرى، وعندما يكون لدى وزارة الصحة الجاهزية الكافية للتعامل مع الوحدات الصحية المدرسية الحالية وتعمل على تحسينها وتطويرها، نستطيع أن نقول: مرحباً يا وزارة الصحة.. وشكراً يا وزارة التربية والتعليم.. والله الموفق.



alrashid.saad@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد