يشدك عزم الأشخاص الذين يختارون الخلود عن طريق فاعليتهم بالحياة وتحقيق أهداف كبرى، تبقى آثارها في حراك عقول الناس وأفئدتهم ما عاشوا وما تعاقب على هذه الأرض من أجيال.
قيمة الحياة والتي تعني العمل الجاد المثمر، والإبداع، والبحث عن التميّز وترك أثر له ما له في حياة الناس باختلاف وسائله وتعدد طرائقه. والشيخ عبد الله بن خميس من أولئك الأشخاص الذي (عزم) و(فعل) بأن يكون ذا أثر، واستوعب تماماً ما أراد أن يكون لنفسه، فشق لنفسه طريقاً بداياته سهلة عبر كتاتيب الدرعية ثم إلى تعليم حكومي في الحجاز، وتثقيف لنفسه، فأبدع وخرجت من تحت يديه، ومن أوراق المطابع مؤلفات بلغت أكثر من 24 عنواناً منها: معجم اليمامة، تاريخ اليمامة، معجم أودية الجزيرة، من القائل، الأدب الشعبي في جزيرة العرب وغيرها.
ومن خلال كتاب الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الجديد (عبد الله بن خميس في حوار تلفزيوني توثيقي) الصادر في هذا العام 1429هـ ـ 2008م. تقرأ عبد الله بن خميس، وتقف على سعة ثقافة وعلم الرجل، ويبهرك حجم ما يعرف والذي من المؤكّد أن اللقاء لم يكشف إلا نزراً يسيراً مما يحويه فكره من معلومات وكذلك اجتهادات في الآراء، وقدّم الدكتور الشبيلي من خلال أسئلته المختارة بعناية ودراسة مفاتيح لذاكرة الشيخ عبد الله بن خميس والذي تحدث حديث الملم بتاريخ وجغرافية وآداب المنطقة في عرض لا يقدر عليه إلا (عبد الله بن خميس) وحده.
أعجبني كثيراً اللقاء وما حواه من أسئلة وأجوبة أجدها مضامين تاريخية وجغرافية وشواهد أدبية يحتاج إليها كل مهتم ومتخصص، بل إن بعض أجوبة عبد الله بن خميس قدَّمت معلومات غير معروفة وغير متداولة. وشدّني الكثير من آراء الشيخ، منها على سبيل المثال دعوة الباحثين التاريخيين إلى الاهتمام بالشخصيات الأخرى المساندة للشخصيات الرئيسية، وهذه الدعوة التي أطلقها عبد الله بن خميس في عام 1397هـ ـ 1976م وهو تاريخ اللقاء تجد الآن توجهاً من قِبل الباحثين في الالتفات إلى هذه الشخصيات، ومن المناسب هنا إيراد رأي عبد الله بن خميس كما ذكره:
(كان السؤال: إذا أتينا إلى العصر الحديث لمنطقة اليمامة. لو تفضّلتم باستعراض بعض الأسر والشخصيات البارزة في المنطقة؟
وكان الجواب:
أعتقد أنه في الحقيقة نحن إذا أردنا أن نتحدث عن مثل هؤلاء ينبغي أن لا نقصر الأمر على أهل اليمامة أو أهل منطقة العارض، بل نتوسع قليلاً، إلا أننا قد نذكر بعض الأسر وبعض الشخصيات التي كان لها أثر في بناء كيان دولة آل سعود في أدوارها الثلاثة، ويجب قبل أن نتحدث ونشرع في هذا أن نعتب على المؤرّخين، سامحهم الله، فهم حينما يؤرّخون لا يذكرون إلا الأئمة أو الأمراء أو الملوك ولا يذكرون هذه الأسر وهؤلاء الأبطال والشهداء والشجعان الذين كانت لهم اليد الطولى في بناء هذا الكيان والدفاع عن العقيدة وعن الوطن والأمة، وبذلوا مهجهم وأرواحهم ودماءهم وأموالهم في هذا السبيل.
إذا استعرضنا كتب التاريخ للأسف، لا أكاد أجد تاريخاً من هذه التواريخ تعرض لهذه النقطة أو أفاض فيها وهذا في الحقيقة قصور، فالأنبياء وهم الأنبياء لهم وزراء ولهم حواريون ولهم خلفاء، وكذلك الملوك لهم أنصار ولهم أعوان وقادة ولهم مريدون.). انتهى.
في الختام: لا يسعني سوى شكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي على جهده، وعلى تفكيره في إخراج هذه الحوارات التي أجراها سابقاً إلى مادة مطبوعة لتعميم فائدتها، وهو ما كان.