في الثقافة الغربية عامة والأمريكية على وجه الخصوص السخرية بمن يتقلدون مناصب قيادية أو يسعون لها شيء معتاد ويمتهنه مضحكو القوم في وسائل الإعلام المتعددة، المرئية والمسموعة والمقروءة. ولا تستثنى الحملات الانتخابية من ذلك، بل إن موجة النقد الساخر تزداد، وهنالك من يتلقاها بكل رحابة صدر، إن لم يشجعها ويجد فيها متعة ومتنفسا وتشفيا ممن لا يحبهم أو لا يؤيدهم. فانطلاقا من الكاريكاتيرات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، جميعها مشبعة بالمواد الساخرة. ويمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك بالقول إن السخرية، أو الساخر قد تكون بضاعته المزجاة والتي يأكل عيشا من ورائها، تنال نفسه أو أفراد أسرته، فكم من المضحكين الذين يجعلون أمهاتهم وأزواجهم هدفا لتحقيق مآربهم.
هذه الأمور لها علاقة بالقيم في الحضارة تحت المجهر، والسؤال يوجه للمنظرين والمؤرخين وعلماء الاجتماع للإدلاء بآرائهم وما لديهم من المعلومات التي يمكن استقراؤها من تاريخ الشعوب في مناطق مختلفة من العالم وضمن عهود وعصور متعاقبة. قد يكون ما هو مسموح به في حضارة ممنوع في حضارة أخرى. وثمة تساؤل أطرحه: هل هناك علاقة بين ما يمر به الناس من أزمات وما يقال من أقوال ومن تفكه نحو الأزمات والمسئولين عنها، أو من لديهم إمكانية لحلها أو السيطرة عليها، هل يعتبر ذلك عملية تنفيس، (فيش خلق) كما يقال؟ أما ما يدلي به علماء الشريعة الإسلامية في ضوء النصوص الشرعية فأمور معروفة ومعلومة، هنالك النهي عن السخرية من الأقوام والسخرية بحق أفراد وشخصيات وفئات.
تقليد المرشحين للانتخاب في البرامج الأمريكية التلفزيونية مثل السخرية من مرشحة مساعدة مكين الجمهوري، فلقد برزت مقلدة لها والطريقة التي تتحدث بها، ومثل بعض هذه البرامج يتابعها الملايين من المشاهدين. تقلد الساخرة إجابات المرشحة حول قضايا مثل التغير المناخي أو الأزمة المالية التي تمر بها أمريكا. وفي حالة موضوع جدي مثل الشعار الذي رفعه مكين ومساعدته المرشحة، فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية (احفر صغيري احفر) (drill baby drill)، حول هذا النداء هزليا ليأخذ منحى بعيدا جدا عما قصد منه. فحمى السخرية لا نهاية لها وبكل تأكيد ضاربة جذورها في الثقافة الأمريكية. وبما أنهم يسخرون برموزهم السياسية فتتعدى سخريتهم لتنال من الرموز خارج حدودهم، وبلا استثناء، أما سخريتهم بالثقافات الأخرى فحدث ولا حرج.
وفي نظري الفرق بين تأصيل هذا النوع من الإشهار المؤصل في البرامج الإعلامية أو على خشب المسارح الحية فمسألة أخرى يقرها المجتمع ويتقبلها كنوع من النقد الاجتماعي، يقارن بما يقوله الناس في مجالسهم وما يتناقل بينهم عبر وسائط الاتصال (الجوال، مثلا، وعبر الإنترنت)، ونعلم أن الآراء الشائعة تتكون بمثل هذه الطرق وغيرها. ويشارك الفنانون من جهة أخرى بتحريك مشاعر الناخبين بكلماتهم الرنانة الملحنة والمغناة، فمنها ما يذكر أن مساعدة مكين المرشحة (لا تمثل وجها جميلا فقط). أما ما تتضمنه الدعايات المتلفزة، والتي يصرف عليها المرشحون الأموال الطائلة للنيل من منافسيهم، ففيها من السخرية واللذعات الشيء الكثير، فبعضها يقول في حق أوباما (كونه يلعب كرة السلة، مثل باركلي، لا يعني هذا بأنه قادر على حل المعضلة الاقتصادية).
ويقر المحللون الأمريكيون أن الحملة الانتخابية الأمريكية الحالية لا نظير لها في تاريخ الحملات الانتخابية من حيث تدنيها الأخلاقي، والبعض (قبحها) وعزا ذلك بشكل أساس لكون المتنافسين من جنسين عنصريين متضادين. وكان الناس يظنون أن العنصرية العرقية ضعفت، وسرعان ما أثبتت وقائع حملات الانتخابات الرئاسية ما لا يؤكد ذلك. وباتباع التصويت المبكر يقدر أن حوالي عشرة ملايين (وليس كما ذكر في مقالة سابقة 100 مليون ناخب) قد صوتوا في الانتخابات الأمريكية حتى يوم الأربعاء الماضي.
وفي هذا الشأن وقبل خمسة أيام من موعد الانتخاب الرسمي صوت حتى الآن ما يقارب من ستة عشر مليون ناخب، يقدر من أدلى بصوته لأوباما بـ12 مليونا، وفي هذا الشأن حث أوباما الناخبين في ولاية فلوريدا للتصويت المبكر. أما جو السباك، الذي أشار إليه مكين فقد أشهره المرشح إلى درجة أن اتخذ حملة خطابية خاصة به مؤيدة لمكين في سندسكي، اوهايو. ومكين في حملته في هذه الولاية يضرب على الوتر الحساس: الصناعة في هذه الولاية وما تتعرض له من مشكلات اقتصادية، تتمثل في تسريح العمال في بعض المصانع. يحتاج أي من المرشحين إلى 270 إليكتورال (الذي يحسب نسبة لعدد سكان الولاية)، وحصل أوباما على 252 حتى الآن فيحتاج إلى 18 فقط ليتربع على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. والحملة في عقر دار مكين (ولاية أريزونا) على أشهدها، 46 في المائة لمكين و 44 في المائة لأوباما، وهذه الولاية يخشى أن تتحول إلى معسكر الديموقراطيين، ولهذه الولاية 10 (إليكتورال) أصوات.
هذا الأسبوع إضافة إلى الحملات الانتخابية المحمومة والأزمة الاقتصادية العالمية تشهد ساحة الإعلام المطبوع حملات لتسريح العاملين في عدد من الصحف والمجلات الأمريكية في طول البلاد وعرضها: لوس أنجلس تايمز، نيو جرسي ستار. أما مجلة الكرسشيان ساينس مونيتر فلقد أعلنت، بعد قرن من عمرها، أنها ستوقف إصدارها اليومي المطبوع. وهذا التوجه يتمثل في التحول من الإعلام المطبوع إلى المقروء على الإنترنت، ويعزز هذه الوسيلة القدرة على مرونة وسرعة النشر. أما ما يتعلق بالمعلنين فلا ينظرون لمتصفحي الإنترنت بشكل جدي، فالصحيفة ستكون في موقف صعب لا بد لها من التوفيق بين مستهلك لمادتها وبين معلن على صفحاتها.