إن العالم يشهد تسارعاً عجيباً؛ فوسائل الاتصال والسفر والإنتاج في تزايد مستمر. وبالنسبة لبعض الناس تحولت العقاقير المُخلَّقة إلى وسيلة للتعامل مع هذا الزمن السريع الذي يغلب عليه عنصر التنافس.
في مختلف أنحاء العالم يفرط الناس في تناول الأقراص والمساحيق المعروفة باسم المنشطات من مجموعة الأمفيتامين (ATS)، وذلك سعياً إلى تحسين أدائهم. فمن رواد ملاهي الرقص الليلية إلى عمال خطوط التجميع أو سائقي الشاحنات الضخمة، يستخدم أكثر من ثلاثين مليون شخص في مختلف أنحاء العالم الأمفيتامين، والميتا أمفيتامين، أو عقار النشوة، مرة واحدة على الأقل في العام، وهو أكثر من مجموع هؤلاء الذين يتعاطون الكوكايين والهيروين. وتقدر قيمة السوق العالمية المتعاملة في مثل هذه المنشطات بحوالي 65 مليار دولار.
من بين عوامل الجذب في هذه العقاقير المخلقة أنها متاحة بسهولة، وبأسعار معقولة، وأن استخدامها سهل (فلا ضرورة لحقنها في الوريد أو استنشاقها أو تدخينها). تساعد الأمفيتامينات في تسريع عمل وظائف الجسم: ويشعر متعاطوها بازدياد الثقة في النفس، والرغبة في الاختلاط بالناس، وتعاظم الطاقة. وهذا النوع من العقاقير يُعَد غير ضار على نطاق واسع، حتى أن بعض من يتعاطونه يقولون: (إنها أقراص لا تقتل ولا تنشر مرض الإيدز).
ولكن (ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع)؛ فالأشخاص الذين يعتمدون على (المنشطات) قد يعانون من جنون الشك والاضطهاد، والفشل الكلوي، والنزيف الداخلي، بل وحتى بعض المشاكل العقلية الخطيرة، والضرر الدماغي، أو الأزمات القلبية. وكثيراً ما يصاب مستخدمو الميتا أمفيتامينات بتسوس الأسنان ونوع رهيب من الجرب الناتج عن رغبتهم المتواصلة في حك جلودهم بسبب شعورهم وكأن حشرات تزحف تحت جلودهم.
ويبدو أن رسالة التحذير بشأن المخاطر المرتبطة بالمنشطات من مجموعة الأمفيتامينات قد بدأت في الوصول إلى الشباب في بلدان العالم المتقدم، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى حملات التوعية العامة. فبعد زيادة ملموسة أثناء تسعينيات القرن العشرين - حين كان الميتا أمفيتامين عدو الوطن رقم واحد في الولايات المتحدة واليابان - استقر استخدام العقاقير المخلقة في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وأستراليا، ونيوزيلندا، ولو أنه استقر عند مستويات مرتفعة. ففي أستراليا على سبيل الماثل يستخدم الميتا أمفيتامين 2.3% من السكان، كما يستخدم 3.5% من سكانها عقار النشوة مرة واحدة في العام على الأقل وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم.
تشير الدلائل إلى أن المشكلة تنتقل الآن إلى الأسواق الجديدة في الشرق وجنوب شرق آسيا والشرق المتوسط والأدنى. وتتقدم آسيا الطلب على هذه العقاقير بفضل تعداد سكانها الضخم ووفرة ثرواتها. ففي العام 2006 سجل أكثر من نصف البلدان الآسيوية زيادة في استخدام الميتا أمفيتامين. وفي هذا العام تعرض أكثر من نصف الأقاليم الصينية لمشاكل خطيرة مرتبطة بالمنشطات من مجموعة الأمفيتامين.
الحقيقة أن هذا الارتفاع المفاجئ في معدلات تعاطي مثل هذه العقاقير ليس مقتصراً على آسيا، فهناك أمر غريب يحدث في المملكة العربية السعودية. في العام الماضي صادرت المملكة ما يقرب من 14 طناً من الأمفيتامين، وأغلبها في هيئة كابتاجون (الذي ربما يصنع في جنوب شرق أوروبا). وهذا يشكل ربع كميات الأمفيتامين المصادرة على مستوى العالم. منذ سبعة أعوام كان مجموع ما تصادره المملكة العربية السعودية لا يتعدى 1% من المصادرات. وفي جنوب إفريقيا ارتفع عدد مختبرات تصنيع الميتا أمفيتامين المصادرة طيلة الأعوام الخمسة الماضية، بينما ارتفعت معدلات الاستهلاك المحلي من هذه العقاقير.
يرجع جزء من الأسباب التي أدت إلى هذا التحول إلى التغيرات التي طرأت على الطلب. ففي المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية أو تشهد تحديثاً سريعاً تبدو العقاقير المخلقة وكأنها منتج ثانوي مصاحب للنمو المفرط النشاط. ويرجع التحول أيضاً إلى الدفعة القوية التي شهدها المعروض من هذه العقاقير بواسطة المجموعات الإجرامية التي تستخدم مجساتها في مختلف أنحاء العالم.
منذ عقد من الزمان كانت العقاقير المخلقة عبارة عن صناعة منزلية صغيرة. إذ إن المركبات التي يتألف منها الميتا أمفيتامين على سبيل المثال متاحة، ويمكن الحصول على وصفاتها بسهولة، بل ويمكن طهي عجينة هذه العقاقير في المطبخ.
ولكن أثناء الأعوام القليلة الماضية تحول إنتاج المنشطات من مجموعة الأمفيتامين إلى تجارة عالمية ضخمة؛ فقد استولت الجريمة المنظمة على كافة جوانب هذه التجارة غير المشروعة، من تهريب المواد الكيمائية الأولية إلى تصنيع وتهريب العقاقير.
وبالاستعانة باستثمارات أولية ضئيلة بات بوسع مختبرات التصنيع الضخمة أن تجني أرباحاً هائلة، بتصنيع الملايين من الأقراص. ففي إندونيسيا وماليزيا، على سبيل المثال، تكتشف السلطات مختبرات تصنيع متطورة على نحو متزايد. وفي العام 2007 وحده صادرت السلطات الصينية 75 مختبراً لتصنيع المنشطات من مجموعة الأمفيتامينات. ومن المؤكد أن العديد من مثل هذه المختبرات منتشر في أجزاء من العالم حيث سلطات فرض القانون ضعيفة أو فاسدة، أو حيث يشترك مسؤولون رسميون في هذه الجريمة. وميانمار تشكل مثالاً حياً لهذا النوع من الفساد.
إن المنتجين والموردين يتكيفون سريعاً مع أحدث التوجهات والميول، ويعملون على تغطية احتياجات الأسواق المحلية. وحين تغلق السلطات أحد المختبرات فإنهم يفتتحون غيره. وحين ينشأ عجز في إحدى المواد الكيميائية الأولية اللازمة لتصنيع هذه العقاقير يتحول المنتجون نحو أقرب بديل.
ما زالت حصة أمريكا الشمالية لا تقل عن 84% من كافة مختبرات تصنيع المنشطات من مجموعة الأمفيتامينات على مستوى العالم، ومن المعروف أن أوروبا الغربية كانت تشكل مركزاً لإنتاج العقاقير المخلقة (وبخاصة في جمهورية التشيك وهولندا). ولكن أثناء الأعوام الأخيرة كان انخفاض أعداد المختبرات المكتشفة في الولايات المتحدة وأوروبا يقابله ارتفاع في الإنتاج في البلدان المجاورة، مثل كندا والمكسيك في أمريكا الشمالية، وتركيا في جنوب شرق أوروبا. ولا شك أن الأمر يحتاج إلى قدر أعظم من التعاون الإقليمي لمنع هذا النوع من الإزاحة.
قبل أن يفوت الأوان، يتعين على بلدان العالم النامي أن تخرج رؤوسها من الرمال؛ إذ إن العديد من هذه البلدان تنكر وجود المشكلة، وتمتنع حتى عن رفع التقارير بالموقف الداخلي إلى الأمم المتحدة. والحقيقة أن أكثر البلدان عُرضة لهذا الخطر الرهيب هي الأقل استعداداً وتجهيزاً لمكافحة الوباء، سواء بجمع المعلومات، أو تفعيل الجهات الرقابية، أو فرض القانون، أو الاستعانة بالطب الشرعي وهيئات الرعاية الصحية.
والأمر يتطلب في مجمله المزيد من المعلومات عن الأنواع الجديدة من العقاقير المخلقة (مثل كيتامين الهلوسة)، والتطورات الطارئة على تقنيات الإنتاج، وطرق التهريب الجديدة، والأسواق الناشئة.
إن النجاح في منع المشكلة من التفاقم في بلدان العالم المتقدم يؤكد أن الاحتواء أمر ممكن. ولكن ما لم يتم تخصيص المزيد من الاهتمام والموارد لجهود المنع، والعلاج، وفرض القانون في المجتمعات الشابة المتزايدة الثراء في بلدان العالم النامي، فقد تتعرض هذه البلدان قريباً لوباء إساءة استخدام العقاقير، أشبه بذلك الذي شهدته بلدان العالم المتقدم.
خاص بـ(الجزيرة)
أنطونيو ماريا كوستا المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.
www.project-syndicate.org