يلعب نمو إنتاج الطاقة الكهربائية دوراً رئيسياً بخطط التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاهية الاجتماعية؛ فلا يمكن إقامة المدن الصناعية ودعم النشاط الصناعي والتجاري بدون طاقة كهربائية كافية، ولا يمكن التوسع بإنشاء وحدات سكنية ومستشفيات دون اكتفاء بل فائض مستمر بإنتاج الكهرباء. وفي المملكة تم دمج جميع شركات الكهرباء قبل قرابة 8 سنوات حتى يكون هناك قدرة على تأمين الكهرباء ووضع خطط توسعية لتتمكن الشركة الوليدة من هذا الدمج من تنفيذها والقيام بعمليات الربط الكهربائي لكافة مناطق المملكة؛ حتى يتم تدارك أي نقص قد يحدث بأي منطقة إذا حدث عطل بالمحطات الموجودة بها. ويبلغ إنتاج الشركة السعودية للكهرباء 37 ألف ميغا واط، وهو يكفي احتياج المملكة دون أي فائض، وهذا ما يفسر سبب الانقطاعات التي تحدث، خصوصاً بفصل الصيف نتيجة زيادة الأحمال؛ نظراً إلى ارتفاع الاستهلاك بهذه الفترة. والشركة تنفذ مشاريع بقيمة تقارب 95 مليار ريال لرفع طاقتها خلال السنوات الثلاث القادمة بمقدار 11 ألف ميغا واط. وبحسب خطط النمو السكاني والتقديرات بثبات معدل ارتفاع الطلب على الكهرباء عند مستويات 6 بالمائة سنوياً فإن هذه الزيادة قد لا تحقق فائضاً بقدر ما ستتماشى مع حدود الطلب المتزايد سنوياً. وبحسب ما أعلن سابقاً من خطط فإن على الشركة أن ترفع الطاقة إلى قرابة 70 ألف ميغا واط خلال عشر سنوات تقريباً؛ حتى تواكب النمو على طلب الخدمة وتحقق فائضاً قد لا يزيد على 10 إلى 15 بالمائة، وهي الحدود الدنيا التي يجب أن تتوافر لأي دولة بالعالم. وللوصول إلى هذا المستوى من الإنتاج يجب استثمار ما لا يقل عن 350 مليار ريال لتحقيقه؛ مما يعني استثمار ما لا يقل عن 20 مليار ريال سنوياً بخلاف ما تم توقيع عقوده بالآونة الأخيرة بينما يبلغ متوسط الإنفاق على التوسعة سواء بالتوليد والنقل والتوزيع سنوياً 10 مليارات ريال. وبكل تأكيد موارد الشركة لا تكفي؛ فهي بالكاد تحقق ربحاً لا يتعدى 1600 مليون ريال سنوياً من عمليات تشغيلية، وقامت الدولة مشكورة بالتخلي عن حصتها بربح الشركة لصالح المساهمين؛ ما جعل من سهم الشركة أقرب للسندات بعائد يقارب 6 بالمائة سنوياً، كما أن الشركة لا تستطيع رفع رأس مالها لأنه يفوق 40 مليار ريال، ومع وضع الأرباح البسيط سيكون العائد أقل لو تم رفع رأس مال الشركة، وأياً كان مقدار الزيادة فيه فهو لن يلبي احتياجات الشركة المالية الضخمة. وبالنظر إلى التعرفة المعتمدة حالياً فهي لا تغطي حتى تكاليف الإنتاج البالغة 11.6 هللة لكل كيلو واط، بينما يتم تحصيل 8.5 هللة تقريباً، هذا من الاستهلاك المنزلي، بينما تحدد سعر الاستهلاك الصناعي عند 12 هللة، ولا يمكن بأي حال أن يتحقق الاكتفاء والفائض من الكهرباء بالاعتماد على دعم الدولة؛ فهي التي تتحمل كافة الأعباء حالياً وتدعم الشركة من جهة وتركز على عدم تحمل المواطن أعباء زيادة الفواتير عليه من خلال شرائح منخفضة التكلفة. إننا لا نطالب بالتأكيد بزيادة الأسعار على المواطنين، وإنما لا بد من مشاركة اجتماعية بترشيد الاستهلاك من جهة وبفهم واقع تكاليف ما يستهلكه ومكافحة الشركة لتأمين الطاقة على مدار الساعة؛ فرسم قراءة وصيانة العداد 15 ريالاً، بينما يدفع الكثيرون أكثر من 30 ريالاً رسوماً للهاتف الجوال الذي كثيراً ما تنقطع شبكته رغم أنها تعتمد على الأبراج وليس على شبكة أرضية كلفتها عالية جداً بخلاف امتلاك الأسرة الواحدة أكثر من هاتف، بينما البيت له عداد واحد. أما الجانب الذي ممكن أن تعطى للشركة حرية تقديره أو للهيئة العامة للكهرباء فهو رسوم الاستهلاك الصناعي؛ فهو قطاع منتج ويربح كثيراً بخلاف النشاط التجاري من محلات ومراكز وغيرها، وحتى يكون هناك مصدر دخل أكبر للشركة أو للمنتجين المحتملين في حال التوسع بخصخصة القطاع فإن إعادة النظر بتسعيرة الاستهلاك الصناعي والتجاري تبدو مجدية لتحقيق دخل إضافي للشركة يمكنها من تمويل مشاريعها، خصوصا أن المملكة تعتبر الأقل سعراً بين دول المنطقة عموما، فبينما تقف التسعيرة للكيلو واط عند 12 هللة نجدها بدول مجاورة تصل إلى 25 هللة أي الضعف.
واقع شركة الكهرباء وتمويل مشاريعها يعكس الحاجة إلى تنوع مصادر تمويلها، والدعم الحكومي مهما بلغ حتى لو كانت الإمكانيات تسمح يجب ألا يكون على حساب مشاريع تنموية أخرى تخطط لها الدولة للارتقاء بالمجتمع بكافة جوانبه؛ فلا بد من مشاركة جماعية يساهم فيها أكبر المنتفعين من الخدمة، وفهم واقع الشركة ودورها بتأمين الطاقة مهم؛ حتى لا نلقي اللوم عليها عند انقطاع الكهرباء عن غير علم بأساسيات إمكانياتها واحتياجاتها؛ فالجميع يستهلك الطاقة ويرغب بالمزيد غداً، ولن يلتمس عذراً.