من عجائب النمو الاقتصادي في الأربع سنوات الماضية، شموليته لمعظم مناطق العالم بخلاف ما كان معتاداً عليه، من حيث التباين في نسب النمو بين مختلف المناطق في العالم. هذا الوضع الجديد جعل التضخم يرتفع بنسب غير معهودة، حيث طال كافة السلع والخدمات كما طال الموارد البشرية الأجنبية التي تبحث عن فرص عمل في بلادنا، سواء تلك المتعلمة والماهرة والمدربة، أو تلك الجاهلة التي لا تحمل مؤهلاً ولا تتمتع بمعرفة أو مهارة أو خبرة، حيث تكتسب كل ذلك في بلادنا وعلى حسابنا.
وفي فترة النمو التي ارتفعت بها أجور العمالة الوافدة، أصبحت قضية المحافظة على العمالة المنزلية قضية جد صعبة، فصاحب العمل يستقدم ويعلم ويدرب، مع ما يتبع ذلك كله من رسوم عالية، وبعد عدّة أشهر يطلب العامل زيادة في الراتب مع نظرات توعدية بأنه سيهرب في حال لم يجاب طلبه.
ومع الأسف فإن عديمي الذمة والضمير، سواء مواطنين أو مقيمين موجودون، فمنهم من يغري بالهروب ومنهم من يستقبل في بيته عاملاً لديه بأجر أعلى من المعطى له أساساً، غير عابئ بأي محاذير دينية أو اجتماعية أو أمنية.
واليوم تمر كافة مناطق العالم، ونتيجة للعاصفة المالية العالمية، بمرحلة تباطؤ، إن لم تكن ركوداً وكساداً اقتصادياً، وكلنا ندرك أنّ تلك الفترة تعني فقدان الكثير من الموظفين لوظائفهم، كما تعني صعوبة الحصول على وظيفة، فضلاً عن انخفاض الرواتب المتاحة، وبما أنّ الوضع كذلك، فالمتوقع انخفاض رواتب العمالة عموماً ومن ضمنها المنزلية، ولكن وكما يقول لي البعض ممن لهم خبرة سابقة، بأنّ هذا لن يحدث ما لم يحدث كساد عظيم.
وأقول إنها يا سيدي الكريم القاعدة الاقتصادية التي تفرض ذلك، ولن يحدث ما يغيرها إلاّ قوة المفاوض الأجنبي الممثل من حكومات البلد المستقدم منه، يسانده في ذلك عدم إعطاء الاهتمام الكافي والدعم المطلوب من جميع القطاعات ذات العلاقة بالعمالة والاستقدام. والمطلوب منها إجراءات حازمة ،حتى لو وصل الأمر إلى إيقاف الاستقدام ولو فترة مؤقتة من أي دولة تحاول أن تغير من الواقع، وتتعامى عن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه مواطنوها، وتصر على فرض شروطها علينا .. وأهم من ذلك الوعي بين المواطنين بعدم إغراء العمالة النظامية بتحويلها إلى غير نظامية وتسهيل هروبها.
إنّ إيقاف الاستقدام لفترة شهر أو شهرين مثلاً، سيجبر الدول المصدِّرة للعمالة عن شروطها القاسية من أجل توفير فرص عمل لمواطنيها تدرّ عليها دخلاً جيداً في ظروف مالية صعبة، خصوصاً إذا علمنا أنّ تكاليف العمالة من بعض الدول ارتفعت أكثر من الضعف في فترة وجيزة.
وقد يقول قائل إنّ هذا سيرفع تكاليف العمالة الداخلية ويسرع من وتيرة الهروب التي تحدثت عنها آنفا, وأقول نعم ولكن لمدة لا تزيد على شهر أو شهرين، ثم تتهاوى التكاليف إلى ما هي عليه قبل أكثر من أربع سنوات، ولا يجد رب المنزل عذراً في إيواء متخلف أو هارب براتب عالٍ، بينما يستطيع الحصول على الأرخص والأضمن بوسائل قانونية.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail. com