Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/11/2008 G Issue 13187
الاربعاء 07 ذو القعدة 1429   العدد  13187

الأنانية والفردية والجماعة
مي عبدالعزيز السديري

 

يُخلق الإنسان ويحمل بين جوانحه خصائص وخصالاًً مختلفة عن ما يحمله الآخر، أنانية وحب الذات المفرط فردية وجماعية وغيرية، وهذه ألفاظ لها مدلولتها التي تنعكس في مسرح الحياة على المجتمع سلباً أو إيجاباً، سعادة أو شقاء، خيراً أو شراً، فتترك آثارها البناءة أحياناً والمدمرة أحياناً أخرى على الفرد والجماعة.

وإذا أردنا أن نتكلم عن بعض هذه الألفاظ كالأنانية Egotism، نقول باختصار أنها نقيض الغيرية Altruism حيث نجد أن الأناني لا يهتم إلا بنفسه ويسهر على مصلحته ومسراته وغناه فقط دون أن يفكر بالآخرين، وعلى عكسه نجد أن الغيري يتطلع إلى خدمة الآخرين ومساعدتهم، والحقيقة إذا تتبعنا من يتصف بالأنانية نجد أنه يعامل أخاه الإنسان كوسيلة لتحقيق أطماعه وإشباع غروره وشهواته، ويضع مصلحته الذاتية فوق مصالح الأفراد الآخرين بغض النظر سواء كان ذلك يؤذي المجتمع وأفراده أو أنه يسيء إليهم، نجد من سيطرت عليه أنانيته لا يتكلم إلا عن نفسه، لديه إحساس مبالغ فيه بأهميته بين أقرانه فهو لديه الكثير من الغرور والعجب، تعميه أنانيته عن رؤية مصالح الآخرين ولا تؤشر له إلا إلى مصلحته الخاصة، وقد نقل عن الأكثم بن صيفي قوله: (إذا ابتلي الإنسان بالأنانية فما عليه إلا أن يتخلص منها وإلا قادته إلى جهنم).

وقد رُويَ أن أمبراطوراً ذهب إلى رجل حكيم وقال له: لقد خدمت الله طيلة حياتي وعملت كل ما يأمر به.. فما هي مكافأتي؟ نظر الحكيم إلى الإمبراطور وقال له: ستسقط في جهنم وسيكون مصيرك في أسفل السافلين، لم يصدق الإمبراطور ما سمعه؛ لأن جميع الآخرين قالوا له بأنه يكتسب أجراً يوصله إلى الجنة، وأما هذا الحكيم يقول له سيذهب إلى جهنم.. التفت الإمبراطور إلى الحكيم وقال له: هل جننت؟ ماذا تقول؟

قال له الحكيم: إنني أعي ما أقول، إن القضية ليست متعلقة بعمل ما عملت، إن القضية تتعلق (بالأنا) التي وجهتك لأداء عمل ما خوفاً أو طمعاً - إن أنانيتك هي التي دفعتك للقيام بما قمت به ولذلك فإنك لن تلقى إلا ما ذكرته لك طالما أنك لم تقم بعملك نداء للغيرية التي تطلب من الإنسان أن يقوم بالخير للخير وأن يترك الأمر بعد ذلك لله فهو أعدل العادلين.

وهناك الفردية Individualism وهي نقيض الجماعة Community وفي هذه الحالة نرى أن الفرد يميز نفسه عن الآخرين ويضفي عليها صفة فردية مميزة ويكيف الأمور وفقاً لمآربه الخاصة، وهو يرى أن المصالح الفردية خاصة بالإنسان نفسه، ويجب أن تبقى ضمن حدود صلاحياته وملكه، ويعتقد أن القيم والحقوق والواجبات تنبثق من أفراد، ولذلك فهي ملك فردي شخصي، وإذا نظرنا نظرة تحليلية لوجدنا أن هذا المفهوم ينطوي على ما هو سلبي وما هو إيجابي، وهنا يأتي دور التربية حيث نجد أن مجتمعنا يشجع الفردية غير المنضبطة والتي لا تمكن الفرد من الاعتماد على النفس بعكس المجتمعات الغربية التي تصنع من أفرادها أفراداً عصاميين يعتمدون على أنفسهم في حل مشاكلهم بل وفي تحصيل معاشهم والاهتمام بأمورهم، ومن حيث المبدأ لا مانع أن يكون للفرد شخصيته الخاصة بشرط أن لا يقطع صاحبها الخيوط بينه وبين الجماعة؛ لأن الانفراد في اتخاذ سلوك معين دون النظر إلى مصلحة المجتمع يؤدي إلى كوارث كبيرة، وهذا ما حدث في الأزمة المالية العالمية، إذ إن قلة من الأفراد والمؤسسات الفردية سلكت سلوكاً يخدم مصلحتها وطمعها فقط وهذا ما أدى إلى ما نحن فيه اليوم من كارثة هزت أركان العالم بأسره وتركت الملايين بلا مصدر رزق، نعم للفرد حقوق ومن الواجب أن يأخذها، ولكن دون أن يتجاوز ذلك حقوق الآخرين، والحالة هذه فإن الواجب يقضي أن نعيد النظر في تربيتنا لأولادنا بحيث نوصلهم إلى مرتبة الاعتماد على النفس وكيفية اتخاذهم القرار المناسب في الوقت المناسب والطريقة التي يجب أن يتعاملوا بها مع مجتمعهم لأن صلاح الفرد هو من صلاح المجتع، علماً أنه لا يمكن لأي فرد أن يحقق سعادته إذا فصل مصلحته عن مصلحة المجتع ووضعها فوق كل شيء، وإلى هؤلاء نقول لهم ما قاله أبو العلاء المعري:

وإني وإن حبيبت الخلد فرداً

لما أحببت في الخلد انفرادا

وأما الجماعة Community وهو نقيض الفردية Individualism كما ذكرنا سابقاً، فإنها الوجه الأمثل الذي يحقق السعادة لجميع أفراد المجتمع، وفي هذه الحالة نجد أن عدداً من الناس يرتبطون مع بعضهم بمصالح مشتركة ويعيشون في منطقة معينة ويتفاعلون بشكل تضامني يؤمن الخدمات المطلوبة في مجتمعهم فهم متعاونون في كل أمورهم يقوم كل فرد منهم في الواجب الملقى على عاتقه وبالتالي فإن الخدمات التي يقوم بها تحقق للآخرين سعادتهم بشكل تبادلي، فهذا مزارع يقدم مزروعاته لغيره، وذلك معلم يعلم أبناء ذلك المجتمع، وثالث يقدم الحماية للوطن.. وهكذا يتلقى كل فرد ما يحتاجه من الخدمات مقابل الخدمات التي يؤديها للآخر، وبالطبع لا بد أن يكون هناك تنازل من الأفراد كثمن لبعض حقوقهم حتى يحصلوا على حاجات لا يستطيعون تأمينها لوحدهم، وقد يعتبر البعض أن هذا الأمر هو مظهر سلبي، ولكن ذلك لا بد منه لأن الحياة تتطلب أخذاً وعطاءً، فطالماً أن ذلك الفرد يريد أن يأخذ منفعة، عليه أن يقدم لغيره منفعة مقابل منفعته، ومن الطبيعي أن الإنسان الذي يكسب شيئاً لا بد له أن يخسر شيئاً آخر عن طريق تعاونه مع أفراد مجتمعه.

وإذا تتبعنا هذه الظواهر الاجتماعية في المجتمعات المختلفة نرى أن تقدمها أو تأخرها يعتمد بشكل جذري على مدى انتشار إحدى هذه الظواهر أو انحسارها، فحينما ترتفع نسبة الأنانية والفردية في المجتمع تتقلص نسبة الرقي والتقدم والرفاهية والطمأنينة في ذلك المجتمع، وحينما تسود الظاهرة المجتمعية نرى أن الأمن والأمان والنظام والاقتصاد المتقدم أمراً طبيعياً في ذلك المجتمع وقد ثبت ذلك خلال التاريخ الإنساني قديمه وحديثه، وسيبقى مثل هذا المفهوم قائماً طالما أن هناك إنسان يعيش على سطح الأرض.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد