من يعشق الأرض (الوطن) يبقى الحنين يؤرقه، ويشده إليها، مهما ابتعد عنها، وإن حقق نجاحات وثروات.
غريب هو عشق الوطن... أليس هو بقعة من الأرض - تصغر أو تكبر- تحوي يابسة وماء وهواء.
من يخرج من وطنه تطلق عليه عبارات مثل: مغترب، لاجئ، منفي، وكلها في ظني تشبه لفظة يتيم.
اليتيم مهما عاش وإن انتشلته أيدي الرحماء، واكتنفه الحب من كل جانب تبقى كلمة أمي... أبي... وكلما مرت على مسمعه تؤرقه، وتوقظ فيه إحساسه باليتم.
ويتيم الوطن
مع كل نسمة هواء
ومع تغريدة الطيور المهاجرة
ومنظر الصحاري وإن كانت قاحلة جرداء
وكل لحن حزين يثير فيه الشجن لذاك الوطن.
أتختلف كثيرا الأرض عن السماء؟
أرض الوطن نعرفها.. نعشقها ولا يجدي أبدا أي بديل عنها.
لكن السماء... من يُحرم من أرض وطنه... ألا يكون له في السماء عزاء؟
أليست السماء في كل أرض تتشابه؟
شمس وقمر ونجوم وسحب وغيوم.
حينما تتصاعد الآهات
تحضر الذكريات، ماثلة مميتة ساخرة...
فالحل الأمثل لمن يغترب عن وطنه
وتجشمه الغربة جهدا لا يطاق وعناء
أن يبقى بصره شاخصا نحو السماء.
تستوقفني كثيرا تراجم بعض الشعراء، وسيَر المناضلين والمجاهدين، وكثيرا من الناس العاديين، الذين يعيشون في غير وطنهم، حينما تكون وصيّتهم أن يُدفنوا في ثرى وطنهم.
من يعشق الأرض، أقصى أمانيه إذا لم يكن من فراقها بد.... يتجانس معها، يذوب في جزيئاتها... يُدفن فيها.
أما من يعشق شخصا حد نسيان حياته وحاضره
والعيش معه في الخيال
لا يفارقه طيفه بصحوة أو نوم
وليس من حيلة للقائه
ولا أمل في وصاله
فهذا الحبيب يُدفن في ثرى قلبه، وكلما أنهكه الوجد تساقطت دموعه، وبللته، فيفوح شذى الحبيب الندي
وتتكاتف الذكريات
تشن غارة حامية الوطيس
ويروح ضحيتها.... الفرح والأنس.
آه.. من عشق ذي غصة
من يعشق وطنا.... يُدفن في ثراه
ومن يعشق شخصا يدفنه في قلبه
ما أصعب أن يُشق في جوفك لحدٌ
ويصبح قلبك قبرا
- الشمال