قديماً وحديثا يبدو أن العلاقة بين الصحافة والمجتمع لم تكن على قدر كبير من المودة، والاحترام، والثقة، بل هي فيما يبدو ببعض توجهاتها ونزعاتها تقودها المصالح، وعلى هذا الوتر الحساس تقوم وتقعد، غير أن ما يؤسف له أن بعض التوترات التي تصنعها الصحافة من خلال حدث، أو خبر، أو طرح فكري، أو جدل ثقافي تطال آثارها، أو موجة الاتهامات فيها رؤساء تحرير، أو مشرفين على بعض الصفحات، أو الملاحق، ولعل هذا بطبيعة الحال يعود في بعض حالاته إلى جهل بعض فئات المجتمع من القراء إن لم يكن جلهم بالأدوار الحقيقية، والمهام الرئيسة للمسؤولين عن هذه المؤسسات، والأبعاد الفكرية، والثقافية، والوطنية، والاجتماعية التي تملي عليهم سياسة القبول أو الرفض، أو ما نسميه الإقدام والإحجام في الطرح، وتحملهم على الموازنة في سياسة المؤسسة، والجهل في مثل هذا عند المجتمع قد تتحمله المؤسسات الثقافية والإعلامية التي تقود سياسة التغيير والتطوير، والتنوير، لكافة أطياف المجتمع، وهنا يبدو التفاوت الكبير بين قيادات هذه المنابر الإعلامية في الساحة الثقافية والفكرية في أي بلد، بعيداً عن روتين العمل الإداري الصرف. |
* من الطرائف في هذا الموضوع ما يسوقه أحد الأدباء الذي احترف الصحافة كما احترف غيرها، وأدرك شيئاً من آثار هذا الصراع، ورغم انه عاش في بيئتين متناقضتين، في الثقافة، والعادات، والتقاليد، إذ قدر له أن يعيش في مطارح الغربة بعيداً عن بلاد الشام إلا أننا نستخلص مع ذلك من بعض أبيات شعره التي لامس فيها علاقة المجتمع بالصحافة أن الإنسان - وإن اختلفت بيئته - تبقى بين أفراده الكثير من الخصائص، والسمات، والصفات متشابهة لا تتغير بتغير الأجناس، والأعراق، يقول، وقد آلمه ما يسود هذا المجال من اضطراب، وتناحر، وتنافر أحيانا: |
ما للجرائد أمست بيننا هدفاً |
للطعن آناً وللتجديف أحيانا |
هذا يراها بلا زهرٍ ولا ثمرٍ |
وذاك يحسبها زوراً وبهتانا |
وغيره يحسب الآداب شعوذة |
وقادة الرأي والأفهام (زعرانا) |
ويلي على أمة ضاع الأديب بها |
وحقه صار (معروفاً وإحسانا) |
* قد يكون هذا الإحساس يوم أن كانت الصحافة ميداناً حقيقياً للأدب يتبارى فيه الأدباء بكل نزاهة وتجرد وإخلاص للمهنة، ولكن يا ترى ماذا سيقول فيما لو قدر له أن يعايش بعض الصحف، أو المجلات التي صرفها تيار الدعاية والإعلان عن رسالتها وأهدافها؟ بالتأكيد، ولكي يسلم من بعض السهام سيتمثل بقوله: |
وكم شعرٍ إذا أملاه قلبي |
توقف عن كتابته بناني |
* على الكاتب أن يراجع نفسه في هذا الميدان، هل هو يكتب للتاريخ والأجيال أمانة في الأعناق؟ أم يكتب عن المجتمع وهمومه، ويخوض في مسارات تنويره؟ أم اتخذ هذه الحرفة وسيلة إيذاء، وأداة همز ولمز؟. |
|