الإحصائيات في هذا الزمن الذي نمرّ به سلاح خطير يتلقفه الآخرون بكل لهفة وسرور وبهجة؛ لأنهم يريدون أن يقولوا للعالم: إن المملكة بلد الجرائم الجنائية والإجرامية والأخلاقية. وبالتالي فإن السعوديين أصحاب سبق في معدلات الجريمة ولاسيما بعد أحداث سبتمبر.
عندما صرح الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة الشيخ إبراهيم الغيث عن الوقوعات الأخلاقية والاعتداء على الأعراض التي بلغت 59 ألف واقعة خلال العام الماضي منها 34826 وقوعات متعلقة بالاعتداء على الأعراض و24504 وقوعات متعلقة بالمخالفات الأخلاقية.. عندما صرح بذلك وضعت يدي على قلبي.. من هول هذه الأرقام، خصوصاً ونحن مجتمع إسلامي يطبق الشريعة الإسلامية وتنتشر لدينا مكارم الأخلاق النبوية الشريفة وليست الهيئة هي الوحيدة في هذا المضمار، بل إن الشرط وإحصائيات الأمن العام تذهب إلى نفس المذهب في التساهل في عملية التحقق من كون هذه الأرقام ليست صحيحة.
المشكلة تكمن في أننا مجتمع إسلامي نسجل عدد الجرائم التي لا يسجلها غيرنا في الدول العربية والخليجية وفي هذا إجحاف بسمعة بلادنا وأهلها الخيرين - إن شاء الله -.
هذه الإحصائيات ستمرر على المنظمات العالمية المختلفة المعادية للسعودية للتشهير بها.. ونحن مع الأسف لا نعي - غالباً - خطورة هذه الإحصائيات الرسمية ولا ندرك أبعادها..
ولكي أعطي مثالاً على ذلك: بعض الدوائر المعنية بالقضايا الجنائية تسجل الوقوعات على أنها جريمة وقضية وهي غير ذلك، عندما يأتي رجل إلى دائرة الشرطة أو الهيئة فيقول للشرطة ان سيارته سرقت سجلت واقعة وقضية.. والواقع أنها واقعة وليست قضية، ولا ينبغي أن تسجل قضية إلا إذا تأكدت عملية السرقة.. وما يحدث مثلاً أنه ضيع مكانها في موقف سيارات معقد أو أخذها المرور أو أحد الأبناء دون علمه واعتقد أنها مسروقة وبلغ.. وعندما يجدها تكون قضيته قد سجلت على هذا المجتمع سرقة بدون وجه حق.
بل إن هناك ما هو أبعد من ذلك ولنأخذ مثلاً قضايا الاختلاء بالنساء والزنا وشرب الخمور، والقذف وعدم قفل المحلات في وقت الصلاة.. هذه القضايا - مع الأسف - تسجل علينا وتصبح رقماً جنائياً.. الأمر الذي يزيد في معدلات الرقم الوطني للجريمة لدينا.. بينما في دول العالم كله هذه القضايا لا تسجل جرائم سواء أكانت اختلاء أم شرب خمر أم زنى. ذلك أنهم لا يحسبونها جرائم مما يزيد معدلات الجريمة لدينا بما هو ليس جريمة في نظر الآخرين - الدول الأخرى - وهم لا يؤمنون إلا بالأرقام النهائية والمحصلة العامة للأرقام القومية الجنائية، ويظنون أن معدلات الجريمة لدينا في ارتفاع غير مبالين بأننا نحصي وقوعات لا يعيرونها اهتماماً ولا يحسبونها جريمة.. ذلك أننا ننطلق من نظرة تطبيقنا للشريعة الإسلامية. وهم ينطلقون من نظرة القانون.. وبالتالي نقدم لهم أرقاماً عظيمة كان ينبغي أن نحتفظ بها لأنها ليست جريمة في عرف الآخرين، ولو قاموا بتسجيل ما نقوم بتسجيله لكانت أرقامهم الجنائية فلكية.. والمفترض ألا تسجل الوقوعات في الشرط والهيئات كقضايا حتى يصدر فيها حكم شرعي وتتأكد الجريمة، وبالتالي تسجل. فعندما يقوم مثلاً ستة أشخاص بجريمة واحدة ينبغي أن تسجل جريمة وقضية واحدة بعدما يصدر فيها حكم شرعي يجرّمها، وليست ست جرائم!! هذه أهم آليات التسجيل الإحصائي في دول العالم. أما نحن نسجلها ست جرائم.
لا بد لكل مؤسسة حكومية أو خاصة من عمل إحصائية متخصصة ولا بد من متخصصين في التسجيل وآلياته وفي الإحصاء وأبعاده ومعرفة ما يمكن أن يفعله الرقم القومي لمعدلات الجريمة، وإذا كان الهدف هو المصلحة العامة فأرى أن يكون لدينا إحصائيتان واحدة محلية وطنية، بحيث تتضمن كل ما يجرمه الدين الإسلامي انطلاقاً من الحدود الشرعية الإسلامية المعروفة من قتل وزنا، وخمر، وقذف وخلوة ومعاكسات وذلك ليعرف المعنيون بالأمن ارتفاع معدل الجريمة من منظورنا الإسلامي، وإحصائية ثانية (أخرى) تتواكب مع ما تجرمه الأنظمة والقوانين الدولية، وما يعرف ب(الإنتربول) وحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الرسمية والمدنية.. بحيث لا نعطي لهؤلاء أرقاماً تتواكب مع المفهوم الإسلامي بل مع مفهومهم.. فلربما تستغل هذه الأرقام في تشويه الشريعة الإسلامية ومجتمعنا المتمسك بها.. وما أكثر المنظمات الرسمية وغيرها اليهودية الصهيونية التي تترقب إحصاءاتنا لتشويه صورة المجتمع السعودي خصوصاً في عالم كوني صغير، وبعد استقطابنا للاستثمار العالمي وانفتاحنا على كثير من الحضارات المعاصرة، والمعلومات، وتقنية الآخر.. وهنا استشهد بما كتبه الزميل سليمان العقيلي في جريدة الوطن في عددها 2958 الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 ذو القعدة 1429ه ص 22 الذي تحدث في زاويته عن الأرقام التي أوردها فضيلة الشيخ إبراهيم الغيث الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الوقوعات الأخلاقية ما يلي: (ليس لي من استنتاج إلا التعويل على عدم دقة المعايير الفضفاضة التي قد يستخدمها رجال الضبط والإحصاء في الهيئة في تصنيف الوقوعات، حيث يمكن أن يعتبروا حدثا متسكعا في السوق واقعة أخلاقية وهو ما تسنى لي معرفته الشهر الماضي، حيث ضبط حدث وتم إيداعه دار الأحداث ومصادرة جواله و(آي بود) الموسيقي الخاص. وعلى الرغم من أن هيئة التحقيق والادعاء برأته وطلبت تسليم الحدث أغراضه الشخصية، ما زالت الهيئة تصر على المصادرة لأنها تعتقد أنها ضبطت حادثة أخلاقية. مثل هذه الحادثة من المتوقع أن تدرج في وقوعات الهيئة كحادثة أخلاقية على الرغم من براءة الصبي. وهذا ما كنت في مقالي أتحدث وأخاف منه.. فهل ننتبه!