جدة - (الجزيرة)
أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة، استطاعت من خلالها الجمعية أن تقدّم أنموذجاً مؤسسياً للمؤسسات العاملة في حقل خدمة كتاب الله، من التوسع الأفقي والرأسي، والانتقال من عصر الكتاتيب الصغيرة محدودة الأعداد، إلى حلق التحفيظ المزوّدة بالإمكانات والأجهزة، التي تعين الأطفال والشباب على حفظ كتاب الله، والاهتمام بالمحفظين والمدرسين الذين يقومون على التحفيظ، ثم الانتقال إلى التحفيظ الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت لتعم الاستفادة لمن يريدون حفظ وإتقان كتاب الله في أماكن مختلفة من العالم.
لقد ضربت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة المثل في القيام بواجبها الديني والدنيوي، فلم يقتصر نشاطها على حلق التحفيظ للأطفال والشباب - البنين والبنات -، بل كانت أول جمعية للتحفيظ تعمل في السجون، وتحمل على عاتقها مهمة تحفيظ من يقبعون في السجون، ودور الأحداث كتاب الله، وهو الأمر الذي توّج بصدور الأمر السامي الكريم بإعفاء المسجون الذي يحفظ كتاب الله من نصف العقوبة، كما سيّرت قوافل الخير، وأنشأت حلق التحفيظ لكبار السن، وساهمت بدورها في إنشاء حلق التحفيظ في الكثير من المرافق الحكومية.
لم يقتصر نشاط الجمعية في المجتمع على الطلاب والطالبات، والمساجد، بل امتد ليشمل فئات وقطاعات مختلفة من المجتمع، صغاراً وكباراً رجالاً ونساء، بل تواجدت الجمعية في مرافق يحسب كثيرون أنه لا يمكن أن يكون للجمعية فيها أثر. تواجدت في السجون والإصلاحية، ودار الملاحظة، ومستشفى الأمل، تنشر نور القرآن مضيئاً الطريق للاستقامة والهداية والتوبة. الجمعية كانت هناك مصحفاً ومدرساً، وحلقة..
لقد استحدثت الجمعية قطاعاً كاملاً هو قطاع المرافق العامة الذي يعنى بالمرافق العامة الحكومية والخاصة، حيث توسعت حلقات هذا القطاع لتشمل السجون، دار الملاحظة والأحداث ومستشفى الأمل، وحرس الحدود والمعهد البحري وشرطة جدة بوحدات الإسناد والطوارئ والمهمات والحرس الوطني بمكاتب التوجيه والإرشاد بمحافظة جدة وأم السلم ومركز التدريب ببحرة.
ولقد أولت الجمعية اهتماماً كبيراً لقطاع المرافق العامة، فهو أحد القطاعات التي نحرص من خلاله على تقديم الخدمات الجليلة لأبنائنا وبناتنا الموجودين في بعض المرافق العامة المختلفة.
لقد كانت جمعية تحفيظ جدة أول جمعية تبدأ بعمل الحلقات في السجون. ويقول سعادة اللواء أحمد بن صالح الزهراني مدير السجون بمحافظة جدة: إن العلاقة بين جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة والسجون قديمة، بدأت منذ إنشاء الجمعية وهي أول من بدأ بعمل حلقات التحفيظ في السجون حتى صدور الأمر السامي الكريم المتضمن إعفاء السجين الذي يتمكن من حفظ كتاب الله من نصف محكوميته، إن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة تقوم بالتعاون المستمر مع سجون جدة في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وتهذيب النزلاء وإعادتهم لأسرهم ومجتمعهم رجالاً صالحين يخدمون دينهم ووطنهم وأسرهم بعيداً عن الإفراط والتفريط.
وقد وصل عدد حلقات القرآن بسجون محافظة جدة التي أقامتها الجمعية إلى 27 حلقة قرآنية للرجال والنساء يقوم عليها نخبة من مشرفي ومعلمي الجمعية.
وقد قدمت الجمعية هذا العام 18 حافظاً وحافظة لكتاب الله الكريم كانوا من أصحاب الجنح منهم السارق والمزور والمغتصب والقاتل ولكنهم اليوم أصبحوا أئمة وخطباء ومعلمين للقرآن الكريم وذلك بعد أن وجدوا في حلقات القرآن الراحة والأمان ووجدوا من القائمين عليها الرعاية والتوجيه السديد والعمل الجاد من أجل إخراجهم نبتة صالحة للمجتمع وكذلك من خلال غرس القيم والأخلاق التي حث عليها المولى عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم.
وقد شاركت الجمعية في فعاليات المسيرة الخيرية (قافلة الخير) التي نظمتها لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم بمحافظة جدة تحت شعار (مجتمع بلا انحراف) بالتعاون مع عدد من القطاعات الحكومية والخاصة بهدف رعاية وإصلاح نزلاء السجون ومساعدتهم ومساعدة أسرهم، وهذه المشاركة تؤكّد دور الحلقات القرآنية في خدمة المجتمع.
ونتيجة لهذه الجهود منحت المديرية العامة للسجون المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة شهادة شكر وتقدير وذلك نظير جهوده المبذولة في تفعيل ودعم برامج الإرشاد والتوجيه بسجون محافظة جدة وما تقيمه الجمعية من حلقات للقرآن الكريم تسهم في تعديل وتغيير سلوك النزلاء.
لقد بدأت الحلقات القرآنية لتحفيظ كتاب الله بدار الملاحظة الاجتماعية منذ عام 1411هـ وهي في تطور مستمر، حيث كانت في البداية بحلقتين فقط والآن وصلت إلى اثنتي عشرة حلقة وفي كل حلقة ثلاثون طالباً.
إن الجمعية لها دور كبير في محو الأمية في المجتمع نظراً لوجود كثير من العجم وغيرهم من النزلاء الذين لا يستطيعون القراءة ويريدون حفظ كتاب الله الكريم، فهنالك حلقة للأميين ليتسنى لهم من خلالها تعلّم القراءة والكتابة (القاعدة النورانية) ومن ثم الانتقال إلى حلقات التحفيظ، من هؤلاء النزلاء ص. ح البالغ من العمر (17) عاماً الذي بعد أن دخل الدار أمياً ومداناً في قضية شذوذ ها هو اليوم بفضل حلقات القرآن الكريم يقرأ ويكتب ويحفظ من كتاب الله 20 جزءاً خففت من مدة محكوميته أربعة أشهر، بل جعلته يحلم بأن يصبح داعية إلى الله بعد أن كان بعيداً عنه غافلاً عن النور الذي أنزله.
من جهته فقد أكّد الأستاذ شاكر بن محمد الأزوري مدير دار الملاحظة الاجتماعية أن الجمعية تقوم بدور فعَّال في خدمة نزلاء الملاحظة وتعليمهم كتاب الله الكريم مما كان له الأثر الكبير في تعديل سلوكهم وإصلاحه، فالمعلمون في الحلقات للنزلاء كالأب الحاني وكالأخ الأكبر من خلال تفهم مشكلاتهم وتهيئة الجو النفسي والمشاركة في الأنشطة والبرامج المقامة في الدار.
وبالنسبة لمستشفى الأمل فإن جمعية جدة أول من أسهم في فتح حلقات التحفيظ على مستوى المملكة، حيث كانت الانطلاقة المباركة في عام 1421هـ وتهدف الحلقات القرآنية إلى إرجاع النزلاء إلى جادة الصواب، وذلك بربطهم بكتاب الله قولاً وعملاً وتهذيب نفوسهم وفق المنهج الرباني.
الشيخ أحمد الشمراني مدير قطاع المرافق العامة أوضح أن الجمعية لها الدور الكبير في تخريج هذه الفئة من براثن الإدمان إلى رياض القرآن، وأن أكبر دليل على دور جمعية جدة أنه قد تخرّج من إحدى حلقات الجمعية بمستشفى الأمل مدمن سابق يعلِّم القرآن بمستشفى الأمل، بل ساعد طبيبه على حفظ القرآن الكريم، كما تخرَّج هذا العام من هذه الحلقات حافظ للقرآن بعد أن قضى 27 عاماً يتعاطى المخدرات.
الطبيب صلاح جيلي الشيخ السماني قال: إن حلقات القرآن التي أقامتها الجمعية كانت لنا خير عون بعد الله عزَّ وجلَّ في المستشفى لتغيير سلوك النزلاء وأنا بمساعدة نزيل سابق حفظ القرآن في هذه الحلقات أصبحت من حفظة كتاب الله.
ولم تقتصر أنشطة الجمعية على الناطقين بالعربية، بل أنشأت قسم المراكز الصباحية الذي يشرف على مدارس صباحية مخصصة لتعليم القرآن الكريم لأبناء الجاليات غير العربية تتوزع على أحياء مدينة جدة تدرس فيها القرآن والعلوم الشرعية.
(250) حافظاً لكتاب الله هو ثمرة المراكز الصباحية هذا العام وتعتبر هذه المراكز العمود الفقري للجمعية من حيث تخرّج الحفاظ.
أنشأت الجمعية حلقات للكبار وفتحت المجال أمام الراغبين في تعليم قراءة القرآن الكريم وحفظه ممن تجاوزت أعمارهم العقد الثالث، ولم تتح لهم فرصة سابقة لحفظ القرآن تعمل هذه الحلقات على تحقيق رسالة الجمعية المتمثلة في ربط كافة فئات المجتمع بالقرآن الكريم، هذه الحلقات فتحت أحضانها (للكبار) من الراغبين في تقويم اللسان في القراءة وتعلّم التجويد من جهة وحفظ ما تيسّر من القرآن من جهة أخرى. وهي تعد (فرصة) لا تعوّض وهبة من الله للالتحاق بركب أهل القرآن.
وحول بداية انطلاقة حلقات الكبار ومدى إقبال الجمهور عليها يقول المشرف على حلقات الكبار الأستاذ نبيل يحيى كحيل: انطلقت الحلقات القرآنية لتعليم الكبار مطلع شهر محرم من العام الماضي 1428هـ من خلال (52) حلقة في مختلف المساجد بأحياء مدينة جدة، وقد وجدت إقبالاً كبيراً وتفاعل الناس معها وبدأت تؤتي ثمارها، حيث تخرّج من هذه الحلقات حفاظ لكتاب الله.
قدمت الجمعية للمجتمع نماذج ناجحة انطلاقاً من الرسالة العظيمة التي حملتها الجمعية على عاتقها منذ النشأة ووفق أهداف سامية ونبيلة وأحلام تجاوزت الآفاق مما يؤكد أهمية دور جمعيات القرآن الكريم في المجتمع، فقد أكدت دراسة علمية قامت بها وزارة التربية والتعليم حصيلتها أن 85% من الطلبة المتفوقين دراسياً هم من الدارسين في حلقات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم.
وفاز طالبان جامعيان من طلابها في مسابقة الأمير سلمان العام الماضي، فقد فاز الطالب فيصل بن محمد حسن بجائزة المركز الأول على مستوى المملكة وسوف يمثّل المملكة في مسابقة الملك عبد العزيز الدولية، وفاز الطالب ريان منصور شركة بالمركز الثالث.
وعندما سُئل الطالب صالح الظاهري عن التحفيظ قال: جعلني متفوّقاً.. نعم متفوّق في دراستي حتى إنني كنت أتلعثم في القراءة، ولكن بعد التحفيظ تحسنت قراءتي ولغتي الفصحى.
وشاركت الجمعية بمجموعة من الأنشطة الصيفية المتنوّعة المصاحبة لتعليم القرآن الكريم لأبنائها وبناتها الطلبة والطالبات والتي تهدف من خلالها إلى إيجاد بدائل نافعة للطلاب والطالبات في مثل هذا الوقت من كل عام واستقطابهم إلى الحلقات وتحفيزهم على حفظ كتاب الله. ونظّمت بالتنسيق مع إدارة التربية والتعليم بالمنطقة المدارس الصيفية وهي أنشطة تقام في التعليم بهدف المحافظة على أوقات فراغ الطلاب واستثمارها فيما يفيدهم ومساعدتهم على حفظ القرآن الكريم من خلال إقامة البرامج الثقافية والاجتماعية والرياضية والفنية التي تلبي رغبات الطلاب وطموحاتهم لتحقيق التوازن المطلوب في حياتهم، وتم تنظيم دورات قرآنية مكثفة في بعض المساجد، ودورات تثبيت الحفظ، والملتقيات التدريبية الصيفية التي تهدف إلى إبراز دور الجمعية في خدمة المجتمع وإيجاد فرص تدريبية وتقديم برامج إثرائية وإبداعية جديدة للاستفادة من الإجازة الصيفية، والمشاركة في الفعاليات المقامة في صيف جدة مثل ملتقى البحر الصيفي وغيره.
وقام القسم النسائي بالجمعية بتنظيم (57) مركزاً صيفياً صيف هذا العام لتقديم مجموعة من الأنشطة المتنوّعة المصاحبة لتعليم القرآن الكريم والتي تهدف من خلالها إلى إيجاد بدائل نافعة للفتيات والنساء في مثل هذا الوقت من كل عام واستقطابهن إلى الحلقات وتحفيزهن على حفظ كتاب الله.
ونظّمت الجمعية المسابقة القرآنية الكبرى التي تعنى بالقرآن الكريم وعلومه ويرعاها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة الرئيس الفخري للجمعية وذلك في نسختها الحادية عشرة والتي تهدف إلى إبراز دور الجمعية الفاعل بنشر القرآن الكريم وعلومه من جهة، وربط الجمعية بالمجتمع من جهة أخرى.
وكانت المسابقة العام الماضي قد شهدت مشاركة 100.000 مشارك من أكثر من 35 دولة حول العالم وهذا الرقم عكس مدى أهمية هذه المسابقة وحجم الفائدة الكبيرة التي تقدمها والرسالة التربوية العظيمة التي أنشئت من أجلها.
من جهة أخرى أولت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة التدريب اهتماماً كبيراً لأهميته في صقل الشخصيات وإكساب المهارات. فأقامت الملتقيات التدريبية التي تبرز دور الجمعية في خدمة المجتمع، وإيجاد فرص تدريبية لطلاب ومعلمي الجمعية ومدارس التعليم العام والجامعات والكليات ومنسوبي القطاعات العامة من إدارات حكومية وأفراد.
إن دور جمعية تحفيظ القرآن بجدة دور ريادي في خدمة مجتمع جدة وهو دور ملموس وجلي للعيان، إذ أخذت على عاتقها مهمة احتواء الشباب من الجنسين وتربيتهم على منهج القرآن الكريم وغرس القيم الإسلامية الأصيلة فيهم. وقدمت لأبنائها وبناتها البرامج التربوية المتقدمة التي تلائم أجيالاً مميزة ونافعة.. لبنات نماء وتطور لمجتمع آمن ومثالي.