جمعتني مناسبة مع عدد كبير من أهالي حوطة سدير، حيث كنا في حفل زواج أسرتي الزيد والعريج، ولم أجد بدّا من تلبية دعوة الشيخ عثمان الزيد لعدة أسباب، منها: أن أبا محمد رجل يحبه الجميع، ومنها أن لي مدة لم أزر حوطة سدير التي كنت أعرفها حينما كان طريق الخط القديم يعبرها من الوسط، وهي تقيم على جنبات وادي الفقي العتيد، ثم أن لي أصدقاء كثراً في منطقة سدير، فلابد أن أجدد العهد بهم، ومن حسنات مناسبات الزيجات أن تجد الكثيرين ممن فرق الزمن بينك وبينهم، وقد تجد من زملائك في الابتدائية أو المتوسطة.
حوطة سدير وجدتها غير التي كنت أعهدها، فقد أصبحت مدينة متمددة إلى الشرق، وارتفعت فوق الجبل الشرقي الشمالي عنها، أي أنها انتقلت في معظمها إلى عالية الجبل، إذ إن الشارع الرئيس يشقها من الشمال إلى الجنوب، وعلى جنباته مبانيها القديمة نوعا ما، أما المزارع والحوطات والبساتين القديمة فهي على جنبات وادي الفقي الذي يعبر الحوطة متجها للجنوب منها، وبيوت الطين القديمة التي تعيدك إلى عراقة الماضي وكفاح الأجداد من أجل لقمة العيش، أو ما يسمونه (ستر الوجه والمرجلة) قد أصبحت بيوتا من حديد وأسمنت، عدا بعض البيوت التي هجرها أهلها وأصبحت أطلالا لقوم مضوا وانقضوا، وقد قلت للأخ فهد العريج: هل تتخيل كم نفس عاشت في هذه البيوت وتعبت حتى جاء جيل اليوم؟ لك أن تتخيل هذا الزقاق الضيق مملوءا بأطفال صغار؟ هزَّ رأسه وقال: أوووه، رحمهم الله.
في حوطة سدير تخجل كثيراً من إلحاح أهلها على إكرام الضيف والقادم إليهم، وهو ما عانيته من خلال لقائي بهم، لكني وجدت متعة أكثر من الجلوس في مكتبة الشيخ الدكتور فهد الوهيب التي تحتل مكانا كبيراً في بيته في حوطة سدير، وحينما دخلتها ذهلت من كثرة موجوداتها، ولكني خفت عليه من أن يكون مصيره الجاحظ الذي هام عشقا في الكتاب، ولما تناول الشيخ كتابا في أعلى الرف قلت له: احذر يا شيخنا أن تكون مثل الجاحظ، فقال بسرعة: الله يستر، وهذا يعني أنه فهم مقصدي من أن الكتب سقطت على الجاحظ.
ميزة حوطة سدير أن التركيبة السكانية فيها هي قوس قزح جميل متناسق ومتآلف جدا، فتجدهم في المناسبات حاضرين دون أن يتخلف أحد إلا لعذر قوي، أي أن الالتزام الاجتماعي بالمناسبات له اعتبارية قوية عندهم، وقد سمعت الكثيرين يسألون عن الآخرين الذين لم يروهم بقولهم: وين فلان عسى ما شر؟
يغلب على سلوك أهل حوطة سدير روح التآلف والابتسامة عند اللقاء الأول، أي أن البشاشة تبدو عند السلام مما يصنع الألفة بينهم وبين غيرهم، ولعل الملحظ الذي لحظته هو أن الصغير منهم سنا يحترم الكبير في السن، فتجد الشاب يقبل رأس الكهل ويحتفي به، وهذا شيء جميل أن يزرع عن طريق الأسرة احترام كبير السن، ثم الأجمل في مجالسهم أن الكهل إذا دخل المجلس قام الجالسون واتجهوا له دون أن ينتظروا مروره للسلام، وهذه عادة كانت عند أهلنا القدامى واندثرت عند الأغلبية من الشباب، لكنها لازالت عند أهل حوطة سدير.
النهضة العمرانية في حوطة سدير تجعل الزائر لها يلاحظها بسرعة، فقد شيدت الدوائر الحكومية المتنوعة والكبيرة في مساحاتها، وهو تفكير سليم للمستقبل، وكذا صارت عالية الجبل تحمل مآذن المساجد العالية التي جمعت بين فن العمارة والاتساع وسهولة المواقف للسيارات، ولعل أجمل المواقع في حوطة سدير هو موقع إدارة المرور الذي يتم تأسيسه الآن، وكذا المستشفى العام الكبير جدا، المهم أن النهضة العمرانية وكثرة السكان سوف تجعل من حوطة سدير مدينة مترامية الأطراف رغم صعوبة التضاريس في الموقع، لكن يبدو لي أن المخططين للتطور العمراني فيها يسيرون عبر عقلانية التفكير والتنفيذ واعتبارية المستقبل لمدينة كبيرة. وفق الله الجميع.
abo-hamra@hotmail.com