Al Jazirah NewsPaper Friday  07/11/2008 G Issue 13189
الجمعة 09 ذو القعدة 1429   العدد  13189
لما هو آت
مبتدأ الحضور..!
خيرية السقاف

كانت قدرة أوباما الخطابية جلية في حضوره, ولعلها من المورثات فيه, النافذ تأثيرها البعيد في نجاح ترشيحه, ومن ثم انتخابه لرئاسة أمريكا, وقلب موازين الشك وتعديل دولابها الخفي نحو وقوفه فوق منصة التبريك..

ربما لأننا لا نملك في هذه العملية إلا أملاً ضمن خيوط آمال العالم الذي بسطت أمريكا عليه يدها.. بل ربما لأننا ندس أنفسنا الآن في مركبة الموسومين بوعي الحضور في أحداث الكون.. وربما لأننا في مآزق كثيرة فرضتها سياسة السطو الأمريكي في عهده الغاربة شمسه على حريات البشر من خلال التدخلات الفارضة على المجتمعات والمحركة لبوصلات السياسة فننجو ببعض حلم..

لكن بكل تأكيد هذا الصبي الذي بدأت نشأته في بيت مسلم.. ودرس سنوات طفولته الأولى في مدارس إسلامية.. وتجري في دمه عاصفة الرفض للتمزق العرقي والعنصري الذي بذرت منبتها في دخيلته قرون من الصراع في دولته التي تسنم رئاستها انتخابياً, وستستقر في كفه مفاتيح بيتها الأبيض اسماً, المختلفة ألوان مكنونات صدور وعقول ومن ثم قرارات من يعبر به فعلاً, ثم يغادره ولسان حاله كما يقول شاعرنا العربي: (مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها).. وبعدها يلوح له قائلاً: (نزلنا ههنا ثم ارتحلنا وهكذا الدنيا نزول فارتحال)..

هذا الذي كان الصبي الذي بدأ حياته كذلك, أتوقع أنه سيفكر مئات الخطوات, بل ألوفها نحو مشرق مبتدأ خطوة أجداده, الذين حمل حلمهم عندما جاؤوا حيث يقف سيداً, مكبلين في الأغلال, محمولين في السفن إلى أرض هو الآن يتسيد مفاتيح أغلال أيديهم تلك, بأحلام حريات نأمل ألا تتصادم مع حفنة مؤثرات, بنت جدار عظمه, ولحاء عروقه..

والموقف منذ بدأ تصويته بصوته, يؤكد أن هذا الصبي الناشئ في ذلك البيت, المتلقي بدءاً أبجديات درسه في تلك المدرسة, القادم بجينات تحمل موهبة الصوت والكلمة, قد أبلت فيه هذه المنابت, فجاء خطابه طيلة فترة انتخابه جلياً منبرياً، فيه روح الخطيب اللماح.. وكل من يتابع كيف ختم عند تلقيه الفوز كلامه بجمل ثلاثة ربط فيها بين مخيلته, ومخيلة العالم كله, وتحديداً الداخل بطول وعرض البلاد التي منحته أصوات أبنائها, وبين شعاره, لأدرك المستمع إلى حصافة الحضور المنبري لهذا الرجل ذي الأصول المؤثرة في منابت العرق والدم والنشأة الأول.. إذ تساءل عمَّن يشكك في ديمقراطية بلاده, وعمن يسأل عن أحلام أجداده, وعمن يتساءل عن مستشرف أفعاله, فأوجز في عبارة واحدة فصل الخطاب: (الآن بانتخابكم لي نجيب عن حقيقة الديمقراطية, وحلم الأجداد, ومعنى التغيير), إن هذا المنطق هو الذي ساعد أوباما على الفوز, وهو منطق القدرة على الخطابة في منابره الجلية القوية, وتلك مؤثرات بضاعة استقرت بذورها في تلافيفه, حيث نمت في صمت, وعرضت في جهر.. فعسى أن تكون هناك بذور خير أخرى تنهض في شمس رئاسته, فيتسع الحلم, ويشمل التغيير بما يعيد للشعوب حرياتها المزعومة.. على الرغم من أن حلماً عريضاً مثل هذا, في ضوء حيثيات كثيرة غالبة في شأنه؛ ما يجعل الكفة بالتأكيد لا ترجِّح قدرة البذرة, على سطوة ما تراكم فيه, أو تعالى من حوله..



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد