سان فرانسيسكو - د ب أ:
عادت فتاة بيضاء في الحادية عشرة من عمرها من مدرستها إلى البيت في ولاية كاليفورنيا قبل أيام قليلة من الانتخابات تردد مقولة سمعتها من أحد أصدقائها وهي (جلست روزا، ولذا كان بوسع مارتن أن يسير، وبوسع باراك أن يعدو، ولذا يمكننا جميعاً أن نطير).
تختزل هذه المقولة بشكل مثير للمشاعر التاريخ، ومعنى الانتصار التاريخي لباراك أوباما الذي يتوج الثورة من أجل أن يحظى الأمريكيون جميعاً بحريات مدنية متكافئة، وهي الثورة التي غيرت وجه الولايات المتحدة خلال 53 عاماً، منذ أن رفضت روزا باركس التخلي عن مقعدها لشخص أبيض في حافلة ركاب.
واعتبر هذا التصرف من قبل باركس الشرارة التي فجرت حركة الحقوق المدنية، ومهدت الطريق للمسيرة التي اتجهت صوب واشنطن عام 1963، وألقى خلالها مارتن لوثر كينج خطابه التاريخي (لدي حلم). والآن تحول الحلم إلى حقيقة. أصبح باراك أوباما الرئيس المقبل للولايات المتحدة.
وهكذا سيكون الرئيس الأمريكي الجديد أسود البشرة ونجل مزارع كيني وسيدة بيضاء من ولاية كنساس، ليصبح دليلاً حياً على أن بلداً قام جزئياً على استعباد الملايين من الأفارقة قد قطع خطوة كبرى على طريق محو ماضيه الملوث.
وكتب الصحفي تيرينس صامويل على موقع (ذي روت دوت كوم) الإلكتروني، وهو موقع للسود والمتعاطفين معهم، إن نجاحه (أوباما) تخلص من ماض قبيح، وصفح جزئي عن ماضينا العنصري الآثم. تلك قصة أمريكية. وهذه أمريكا مختلفة.
لقد بدأت تلك القصة قبل 400 عام، عندما وصل العبيد إلى الولايات المتحدة مكبلين بالسلاسل بعد فترة قصيرة من بدء استقرار الإنجليز في فيرجينيا عام 1607. وأصبح هؤلاء العبيد دعامة مركزية للاقتصاد خاصة في الجنوب. واحتاج الأمر إلى 200 عام وحربٍ أهلية دموية لإلغاء العبودية رسمياً عام 1865، حيث تم تحرير أربعة ملايين عبد كانوا يمثلون حينذاك 10% من إجمالي عدد السكان. ولكن ذلك لم يضع حدا للتمييز ضد السود في أمريكا، الذين عانوا من الحرمان من التعليم ومن ندرة الفرص الاقتصادية وكذلك من شبكة من القوانين المجحفة.
وكان الوضع سيئاً بشكل خاص في الجنوب حيث كان نظام التمييز العنصري الصارم مبعث إذلال مستمر للملايين من السود، كما كانت تنتشر عمليات الإعدام دون محاكمة. ونجحت حركة الحقوق المدنية في تأمين حق التصويت للسود وأنهت التفرقة العنصرية التي كانت تجري بشكل منهجي ومن قبل مؤسسات المجتمع. وتمثل العنصر الحاسم في التقدم، الذي أحرز على هذا المضمار، في قانون حق التصويت الذي صدر عام 1965 ووقعه الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون.
ولكن الماضي لا يزال حيا بآلاف الأوجه المختلفة، إذ لا يزال الأمريكيون السود الأكثر فقراً في البلاد ويعيشون في أوضاع مزرية، ويمثلون 45 في المئة من عدد السجناء رغم أنهم يشكلون 13 في المئة من تعداد السكان.
وأوباما نفسه هو أفضل من قدم تحليلاً لوضع الأعراق المختلفة في الولايات المتحدة وذلك في خطاب بث في مختلف أنحاء البلاد في آذار-مارس الماضي، وذلك بعدما تعرض للانتقاد لعلاقته بقس أسود متشدد. وقال أوباما حينذا: (إننا بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا بأن الكثير من التباينات الموجودة في أوساط الأمريكيين من أصل إفريقي اليوم، يمكن أن ترجع بشكل مباشر إلى أشكال إجحاف عانت منها أجيال سبقت تحت وطأة الإرث الوحشي للعبودية).
وبينما أوضح أوباما مبررات الغضب الذي يشعر به الكثير من السود إزاء هذا الإرث، أشار الرجل إلى أن الكثير من البيض يشعرون بالامتعاض حيال هذا الأمر. ودعا أوباما الجانبين إلى العمل معاً حتى تندمل هذه الجروح العنصرية. وقال: (بالنسبة للأمريكيين من أصل إفريقي، يعني ذلك الطريق تقبل أعباء ماضينا دون أن نصبح ضحايا لهذا الماضي. يعني مواصلة الإصرار على تطبيق العدالة كاملة في كل جوانب الحياة الأمريكية. ولكنه يعني أيضاً أن ندرج المظالم التي نشعر بها سواء بشأن الحصول على رعاية صحية أفضل أو التمتع بمدارس أفضل أو أن نحظى بوظائف أفضل، في إطار الطموحات الأوسع نطاقاً للأمريكيين كافة).
وقبل أن يحرز النصر، كان مجرد توقع فوز أوباما بالانتخابات لحظة تاريخية في حياة الكثير من الأمريكيين السود. وقال ناثان وايتكار، وهو مقاول أسود البشرة في أوكلاند بولاية كاليفورنيا (لا يمكنني التعبير عما يعنيه هذا).