تداخلتُ أكثر من مرة حول موضوع الكتابة اليومية في الصحف أناشد من يمارسها أن يسلك درب الحذر خشية أن يقع قلمه في (فخّ الاجترار) لموضوعات أدرك قارئَها المللُ أو عفا عليها الزمن فلم تعد ذات بال، ليفقد بذلك الكاتب ثقة القارئ به، وقد تتحول الكتابة عنده إلى (رسومٍ) من كلام لا يعني شيئاً ولا يضيف شيئاً!
* *
* اليوم.. أعود من جديد إلى الموضوع نفسه بعد أن غدت (الكتابة اليومية) في بعض صحفنا ظاهرة تستدرُّ الحديث.. إعجاباً ببعضها واستهجاناً للبعض الآخر، بين (كيفٍ) قليلٍ مبدع و(كمٍّ) كثير مفجع!
* *
* ولذا، ليس عجباً أن تصنَّف الكتابة اليومية في الصحافة بالأمر المثير للجدل والجدل المضاد، بسبب النزاع الأزليّ بين إبداع الكيف وزخم الكمّ.
* وفي تقديري المتواضع أنه لا توجد قاعدة تحسم مثل هذا الجدل أو تلغيه؛ فلكل حالة خصوصية تقديرية تنفرد بها وحدها، ويتعذر القياس عليها:
* فهناك من البشر من يملك ثراء في الفكر والتعبير يمكّنه من ممارسة الكتابة اليومية باقتدار ويُسر.
* وهناك من يستسلم لسطوة الكتابة اليومية مُسيّراً بهاجس الفوز برضا رئيس التحرير، لا بتحريض الإبداع، وهو في هذا الحال لا يشقى بتكريم ذكاء القارئ، ولا بإذكاء فضوله قدر ما يشقى بهاجس الوفاء بالتزامه نحو الصحيفة.. في اليوم التالي!
* *
وبعد،
* إن الكتابة، في أدقّ معانيها، موهبة لا صنعة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون يومية أو أسبوعية أو حتى حولية، أما الكتابة بدون موهبة، فهي ضرب من الرسم على الماء، أو النقش في تراب تذروه الرياح! وكلاهما يذوب في وهج النسيان!
* *
* بقي لي في الختام أن أدعو من الأعماق لكتّابنا اليوميين بالتوفيق؛ لأنهم - في الغالب - يعيشون محنة النزاع بين سندان رئيس التحرير ومطرقة القارئ، ولا بد أن يتوازن عطاؤهم بين الكفّتين، لكن، واحسرتاه عليهم لو هم عبثوا بذكاء القارئ إكراماً لرئيس التحرير أو لأي هاجس شخصي آخر، ناسين أنّ الحَكَمَ النهائي لعطائهم هو القارئ لا رئيس التحرير، الذي قد يكون في بعض الأحوال آخر من يعلم!
* والله أعلم!