النهج الذي يعمل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي أخذ المتابعون يتلمسونه ويتفهمون أُطره من خلال أقوال وخُطب الملك عبدالله بن عبدالعزيز خصوصاً في لقاءاته مع المفكرين والكُتَّاب، وبما أن الملك عبدالله يتبسط كثيراً ويكشف كثيراً عن مكنونات قلبه وما يفكر فيه أثناء حديثه مع المفكرين والأدباء فقد تلمَّس المتابعون بوادر فكر منهجي يسعى المليك إلى تمريره إلى المفكرين والأدباء وجعله نهجاً يسلكه الفكر للوصول إلى الغايات السامية.
في اللقاءات الموسمية التي كانت تتم مع ضيوف الجنادرية من المفكرين والأدباء الذين يشاركون في هذا المهرجان الفكري والثقافي الكبير من رجال الفكر والأدب والصحافة المسلمين والعرب والسعوديين أخذت سمات (فكر عبدالله) تتضح وتظهر، فأخذ الراصدون يُسجلون ويُتابعون تدوين فكر يجب أن يتابع ليس لأنه صادر عن قائد عربي يقود دولة محورية مؤثرة، ومشارك فعَّال في مسيرة أمة تستند إلى قاعدة صلبة في الدين والمعتقد، فالعقيدة الإسلامية والنهج الإسلامي الواضح كان ولا يزال الأساس الذي انطلق منه (فكر عبدالله).
البداية كما أوضحنا كانت حوارات، وخطب وكلمات المليك أمام ومع المفكرين والأدباء، ثم أخذت الأفكار والأقوال تأخذ طريقها للتطبيق وتتجسَّد على الطبيعة والواقع، فكانت جلسات الحوار التي انطلقت في البداية ضمن حدود المؤتمرات واللقاءات المتخصصة لتتوسع بعد ذلك، ويُنشأ لها مركز متخصص للحوار الوطني، وتعمم (النظرية) لتصبح واقعاً ثقافياً واجتماعياً، حيث أصبح الحوار نهجاً في الثقافة السعودية، وأصبح للحوار موعد موسمي يُعرف كل عام وتحتفي به مناطق المملكة وشرائح المجتمع، حتى أصبح المجتمع السعودي مجتمعاً يؤمن بالحوار ويأخذ به، وعُدَّت ثقافة الحوار إحدى السمات التي بدأت تتجسَّد في سلوكيات المجتمع الذي كان وإلى وقت قريب منغلقاً على نفسه متمسكاً جداً بما ورثه من تقاليد وسلوكيات اعتبرها من الثوابت التي لا تقبل النقاش..!!
هذا ما انتهت إليه مراكز الرصد والمتابعة التي تهتم كثيراً برصد مسيرة المجتمعات وتأثير الأفكار والتطور الذي تسعى إلى تحقيقه قيادات الشعوب.
وثقافة الحوار التي سعى إلى إطلاقها خادم الحرمين الشريفين لم يكن هدفها تعميم أساليب التسامح والفهم والتفاهم بين أفراد المجتمع السعودي الواحد فحسب، بل أراد لها أن تكون منطلقاً للتسامح والتفاهم مع الآخر، والآخر هنا الفكر والمعتقد المذهبي والديني والفكري سواء كان ذلك الفكر سياسياً أو فلسفياً، ومن هنا كانت جهود خادم الحرمين الشريفين في توسيع دائرة الحوار والانطلاقة به نحو الخارج بالتوسع نحو حوار الآخر مذهبياً لصياغة وبناء ثقافة الحوار داخل المكوَّن الإسلامي حتى يمكن المحاور الأخرى عقائدياً ودينياً، فكانت المرحلة التي توِّجت بمؤتمر مكة المكرمة الإسلامي الذي استهدف إطلاق حوار المذاهب الإسلامية للانطلاق نحو آفاق أكثر اتساعاً بالولوج وممارسة ثقافة حوار الأديان والحضارات.
jaser@al-jazirah.com.sa