الأدب أحد ألوان الفنون التعبيرية الفذة، والأدب أداة إصلاح يشد كيان الأمة ويقوي عزيمتها ويشد من أزرها ويسهم في توعيتها بسديد القول وسحر البيان وبليغ اللفظ وجمال الإبداع. |
ولقد عني أسلافنا بجوهر الأدب البناء لما له من أثر في النهوض والتقدم وتركوا لنا ثروة هائلة في هذا المجال فهو أحد الروافد القيمة قديما وحديثا لما له من رسالة جليلة وغاية كريمة ولكي يؤدي الأدب مهمته ويحقق نجاحه وازدهاره وتحقيق الفائدة المتوخاة فلابد من طرح الآراء الأدبية بروح الصدق والثقافة الأدبية الشاملة والإخلاص والبعد عن المجاملة والحقد وما شابه ذلك وأن نفتح صدورنا للأحكام النقدية الناجحة والدراسات التحليلية التقويمية ذات المنهج الموضوعي والمعرفة النقدية البعيدة عن أسلوب المجاملات ومراعاة العلاقات الشخصية.. فنحن أحوج ما نكون إلى الناقد المؤهل الذي يحدد موقفه ويقدر المسؤولية الملقاة عليه.. وللأسف فكم نقرأ بين وقت وآخر مقالات نقدية توجد الخصومة وتؤجج نار العداء مما يذكرنا بأشعار الهجاء التي يحفل بها تاريخنا الأدبي والتي كان لها أثر كبير في خصومات الشعراء. وقد قيل كان النابغة الذبياني تضرب له قبة في سوق عكاظ ويأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارهم، فأنشده الأعشى ثم أنشده حسان بن ثابت ثم الشعراء ثم جاءت الخنساء فأنشدته فقال لها النابغة: والله لو لا أن الأعشى أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجن والإنس. فقال حسان: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك. فقبض النابغة على يده ثم قال: يا ابن أخي إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي: |
فإنك كالليل الذي هو مدركي |
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع |
وهكذا كان النقاش والجدل حول مضمون النص المسموع أو المقروء بروح عالية وإدراك للمضامين والأبعاد، لقد كتب أسلافنا في النقد كثيرا وافتنوا في هذا افتناناً يدعو إلى التقدير والثناء فمن مؤلفاتهم في هذا المضمار الشعر والشعراء لابن قتيبة - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للأصفهاني - وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني - الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني - والعمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن سلام - وكتاب الأمالي، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري.. وغير ذلك مما أسهم به ابن عبد ربه وابن قتيبة والجاحظ والمبرد، وسيبقى الأدب خير سجل للمشاعر الإنسانية لأنه يرسم ويصور خلجات النفس وصدق الأحاسيس ورقة المشاعر. |
إن المهم ليس في المبالغة والتهويل والتحدي بل بمناقشة الأفكار الأدبية كما ينبغي أن تناقش بروح موضوعية وما تحتويه تلك الآراء والأفكار من مضامين لها منطقها الأدبي وما تفيض به من فكر ناضج وقيمة أدبية ورأي سديد وذوق أدبي رفيع وصور جميلة ورؤى أدبية ومعطيات فكرية وأعمال إبداعية مشرقة بالسمات العربية الأصيلة والقيم الخلقية الرفيعة، وعلينا أن نجدد ونبدع ونثري واقعنا الذي نعيشه ونجد المعاصرة، والتحول الحضاري وإصلاح الحياة الإنسانية. |
|