Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/11/2008 G Issue 13194
الاربعاء 14 ذو القعدة 1429   العدد  13194
د. محمد عبدالمطلب: هناك حملة على الشعر!

القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي:

يعد الناقد المصري د. محمد عبدالمطلب من أبرز النقاد العرب، وهو أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس بمصر، وقد أصدر أكثر من خمسة وعشرين كتاباً منها (بناء الأسلوب في الشعر الحديث) و(البلاغة والأسلوبية) و(ذاكرة النقد الأدبي). حصل د. عبدالمطلب على عدة جوائز، منها جائزة البابطين في نقد الشعر عام 1990، وجائزة يماني عن كتابه (قضايا الحداثة)، وحاز وسام فارس من فرنسا عام 1999م. هنا حوار مع د. عبدالمطلب؛ فإلى التفاصيل.

* برغم ما يقال عن تراجع الشعر على المستويين العربي والعالمي إلا أنك متمسك بمقولة إننا نعيش في زمن الشعر ... لماذا؟

- أتولى رئاسة تحرير سلسلة (أصوات أدبية) التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، وكل أسبوعين أنشر أجناساً أدبية مختلفة، لكن الشعر هو الأغلب، وقد انتشرت مقولة (زمن الرواية) بعد صدور رواية (عمارة يعقوبيان) لعلاء الأسواني التي حققت نجاحاً كبيراً في الداخل والخارج، وترجمت إلى عدة لغات، لكن ينبغي ألا ننسى أن أكبر توزيع لنص عربي من نصيب أعمال (نزار قباني) التي بلغت مليوني نسخة. والذين يروجون للرواية يستندون إلى أن (الشعر يرتبط بزمن العبودية)، وهي مقولة لا أساس لها من الصحة، ولو صحت هذه المقولة، فهل كان أمل دنقل وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي يدعون إلى العبودية؟! هناك حملة على الشعر، تهدف إلى خدمة العولمة، ولعلك تلاحظ أن أكبر الجوائز في عالمنا العربي مكرسة للمهرجانات والرواية.

* كيف تنظر إلى حال الشعر العربي بعد رحيل محمود درويش؟

- لم يبق من جيل الرواد سوى أحمد عبدالمعطي حجازي وأدونيس، بعد رحيل نازك الملائكة، وقد توقف حجازي عن نظم الشعر منذ منتصف التسعينات، وينتج أدونيس بعض الشعر من وقت لآخر، لكن دور هذين الرائدين دخل الآن التاريخ، أكثر منه كدور حاضر، وقد حققا شهرة معنوية ومكسباً اقتصادياً من الشعر وأصبحت لهما سلطة ثقافية في مجتمعاتهما.

* لماذا تعترض على ضرورة وجود نظرية نقدية عربية؟

- لم نعرف على مستوى العالم أن هناك نظريات تنسب إلى اللغات، فهل هناك نظرية كيميائية أمريكية وأخرى إنجليزية؟ وهل هناك نظرية نقدية فرنسية أو ألمانية؟ هذه النظريات وغيرها نتاج فكر إنساني مشترك، وكل البشر يدلون بدلوهم في هذا الفكر، فإذا كانت هناك نظرية نقدية فقد شارك في صياغتها العرب قديماً، كما يتجلى في كتابات (ابن سلام الجمحي) وخاصة كتابه (طبقات فحول الشعراء) وبناء الأسلوب عند عبدالقاهر الجرجاني، وانتقلت هذه المفاهيم والأفكار إلى أوروبا، وتركت فيها أثراً، فالناقد الإنجليزي الشهير (أوبتن) قدم كتابه (معنى المعنى) متأثراً بعبدالقاهر الجرجاني، ولا يمكن أن يخترع هذا المعنى من ذهنه، ولابد أنه قد وصل إليه شيء من نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني، فالثقافة العربية لها تأثيرات في الثقافات الأخرى، ومن ثم هناك نظرية نقدية إنسانية، وللعرب مشاركتهم المهمة والخطيرة التي تنبع من أن الإبداع يناسبهم، لإثراء ما يسمى ب(النظرية النقدية العربية) بحيث تكون صالحة للتطبيق على النص العربي.

* هل هناك نقد عربي حقيقي قائم على فكرة الابتكار؟

- وهي مرحلة نقل الثقافة النقدية من الغرب، وتكفل بجانب كبير من هذه المهمة مثقفو المغرب العربي بترجماتهم عن الثقافة الفرنسية، على وجه الخصوص، مع بعض المشاركات العربية لنقاد آخرين، مثل صلاح فضل وجابر عصفور وعبدالسلام المسدي وغيرهم. واستمرت هذه المرحلة إلى فترة الثمانينيات، وركزت على نقل التنظير النقدي، وتكون لدينا ركام هائل من النظريات النقدية الغربية كالبنيوية والعيميائية والتفكيكية، وهنا بدأت المرحلة الثانية عندما حاولنا تطبيق هذه النظريات على النص العربي، فإذا به يستعصي علينا، ولا يقبل هذه الإجراءات النقدية بسهولة. حاولنا إنتاج ثقافة نقدية بالاعتماد على ثلاثة أمور: الأمر الأول قراءة المنجز النقدي في أحدث ما قدمه، وتسمى القارئة الاستحضارية، وقد تجلت في مرحلة السبعينات، ويمثل الأمر الثاني القراءة الاسترجاعية، أي استعادة التراث مرة أخرى، وخاصة المناطق المضيئة في هذا التراث كمدرستي عبدالقاهر الجرجاني والقاضي الجرجاني. أما الأمر الثالث فيهتم بالقراءة الاستنتاجية، وتقوم على التوفيق بين القراءتين السابقتين، دون تلفيق، بمعنى استحضار ما يصلح للوافد الغربي والتراث معاً، ونجحت هذه القراءة إلى حد كبير، كما فعل كمال أبو ديب في تحليله للشعر الجاهلي، وصلاح فضل في الأساليب الشعرية.

* هل هناك فرق بين الناقد الأسلوبي والناقد الأدبي؟

- الأسلوبية هي دراسة كيفية التعبير عن الفكرة من خلال تحليل الظواهر في النص، والناقد الأسلوبي أمامه ثلاثة مسارات: الأول هو المسار الإنتاجي، بمعنى دراسة الأسلوب بالنسبة لمصدر إنتاجه، أي المبدع كالحالات النفسية والذهنية التي تنعكس على أسلوبه. الثاني: هناك الأسلوبية التأثيرية التي تدرس الأسلوب، بالنسبة للتأثير في الملتقى وردود الفعل عند الملتقى، وبها ندرس النص الأدبي، ويبدو المسار الثالث متأثراً بالبنيوية إلى حد كبير؛ لأنه يصرف النظر عن طرفي الاتصال (المبدع والمتلقى) ويركز مهمته في الصياغة الأدبية، وكشف جمالياتها، وهذا فارق بين الأسلوبية والنقد الأدبي؛ فالأسلوبية تقدم تحليلاً للظواهر، أما النص الأدبي فيفتح أحكام القيمة على الظواهر، وهي أحكام الجودة أو الرداءة.

* يرى البعض أن النقد حالة إبداعية قائمة بذاتها أو كتابة جديدة للنص... كيف ترى هذا الأمر؟

- هذا صحيح، وقد قال (دريدا) عن النقد جزء من النص، وهذا توثيق لما قدمه لنا التراث، فقد قال (التوحيدي): (الكلام على الكلام صعب) أي أن النقد أصعب من الإبداع، وكان النقاد العرب القدامى كعبدالقاهر وابن رشيق القيرواني والعسكري مبدعين، وأنا أعرف قواعد الشعر، لكنني لا أستطيع أن أنظمه.

* النقاد متهمون بالانحياز إلى الأسماء المكرسة وتجاهل المبدعين الشباب... فهل هذا صحيح؟

- هذا صحيح إلى حد كبير؛ لأن الاختيار يقوم على ممثلي اتجاه معين أو عصر معين، ولا أجد المبدع المبتدئ ممثلاً لذلك، ولا بدَّ أن يكون مستواه جيداً حتى يفرض نفسه، والإبداع الآن لا يرضي النقاد كثيراً، لأنه يميل إلى (التصنيع) وبخاصة في الرواية، فمعظم الروايات التي أقرأها هدفها أن تترجم وتنشر في الغرب، وأصبحت التيمات السردية محفوظة، تبدأ باستحضار الأنثى المضطهدة ثم تنتقل إلى سلطة المجتمع والحاكم والفساد والشذوذ!

* كيف ترى مستقبل قصيدة النثر؟

- أنا ضد التنبؤ بالمستقبل؛ فالأدب ليس ظاهرة طبيعية ندرسها، ونتوقع نتائجها، فمن المحال أن يتصور المتنبي قصيدة أحمد شوقي، ومن المحال أن يتصور شوقي قصيدة حجازي، فالتنبؤ في الأدب شيء صعب، لكن الذي ألحظه أن الشعر يكاد يأخذ شكل الدائرة، حيث بدأ عمودياً ثم تفصيلياً ثم نثراً، والآن شعراء قصيدة النثر يكتبون القصيدة العمودية مرة أخرى.

* هل يرقى الدرس النقدي في الجامعات العربية إلى تأسيس القاعدة النقدية على مستوى القراءة والوعي والممارسة؟

- النقد الأكاديمي مختلف لدينا؛ لأنه توقف عند حدود منتصف القرن العشرين، عند تجربة حجازي وصلاح عبدالصبور، أما الأجيال التالية فلا وجود لها، وقد توقفت الرواية عند نجيب محفوظ.

* تم اختيارك عضواً في أكثر من لجنة تحكيم للجوائز التي تمنح للمبدعين؛ فما رأيك في هذه الجوائز، خصوصاً أن هناك من يشكك في مصداقيتها؟

- هناك جوائز نزيهة، وأخرى مشكوك فيها، وهناك جوائز بين بين، وأعرف أن هناك ضغوطاً تمارس على المحكمين في بعض الأحيان، وعندما تمنح الجائزة لشخص ما تجد من يردد أن شخصاً ما يستحق الجائزة التي حصل عليها، والجائزة لا تمنح لأفضل مبدع وإنما تمنح لأحسن من تقدم لها.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد