تقول الفيلسوفة اليهودية (الموت بروكشتاين) (إن الارتياب التقليدي من الآخر والشك به.. هذا السلوك الذي عانى منه اليهود في السابق يستمر حالياً في إقصاء الثقافة الإسلامية واستثنائها).
هذا القول وإن اقتصر على الثقافة الإسلامية إلا أنه أشد فتكاً في الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب طلباً للرزق أو هروباً من الاضطهاد الذي عانوه في بلادهم.
وهذا التقليد أو السلوك كما تصفه تلك المفكرة اليهودية حَوّل المجتمعات الإسلامية المتناثرة في مدن الغرب إلى مجتمعات مغلقة ومنغلقة.. تتعامل مع محيطها تعامل المقيم المؤقت الذي ينتظر الفرج للعودة لبلاده.. ليس ذلك وحسب، بل إن تعاملهم مع ذلك المحيط المستضيف لهم هو تعامل الرافض لعاداتهم وتقاليدهم.. حتى بات من الواضح أنهم هم الذين يظهرون روح العنصرية والعداء تجاه تلك المجتمعات الغربية.
ومما ساهم في اتساع الفجوة وزيادة الجفوة بين هذه الجاليات الإسلامية وبين المجتمعات الغربية المضيفة أنك تجد العديد من هذه الجاليات قد أمضى أكثر من خمسين عاماً في ضيافة بلد ما ولكنهم لم يتقنوا لغة هذا البلد.. وإن أتقنوها فإن اللهجة مختلفة واللباس مختلف وأماكن التجمع والترفيه مختلفة ومصادر التلقي العلمي والثقافي والإعلامي مختلفة.. كأنهم يعيشون في جزر مستقلة.. ينظرون للمجتمع المضيف نظرة الحسد والغيرة ويحسون تجاههم بالدونية.. ويواجهون منهم الرفض المعلن أحياناً الصامت غالباً.. حيث ينظر لهم بالشفقة المخلوطة بالاحتقار لثقافتهم وأفكارهم البالية وعاداتهم وتقاليدهم القديمة والغريبة عليهم.. كما أن أهل البلاد يستريبون منهم ويخشون من غدرهم.. ولمَ لا.. أليست النسبة العالية من مرتكبي الجريمة والفساد الأخلاقي تنبع من تلك الجاليات اللاجئة والتي رغم بقائها كل تلك السنين لم تحاول الاندماج معها.
بمعنى آخر إن الوضع الحالي للجاليات المسلمة منذ بداية هجراتهم التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم وبعد مرور خمسين سنة قاحلة يشبه إلى حد كبير حالة كثير من الجاليات اليهودية التي عاشت في أوروبا ألفي سنة لكنها لم تندمج معها.. مما جعلها عرضة أن تكون الضحية الأولى لكل خلاف مجتمعي أو سياسي.. تماماً مثل الغجر وأعراق أخرى انعزلت وابتعدت عن المجتمعات التي عاشت بينها فغدت ضحية لها.
الأكيد أن معيشة الجاليات المسلمة اليوم في البلاد الغربية تشبه معيشة المجتمعات اليهودية أو الغجرية التي انغلقت على نفسها ولم تندمج مع المجتمعات التي كانت تعيش وسطها.. لذلك فلا عجب ولا غرابة أن تتعرض لما تعرضت له تلك المجتمعات اليهودية من اضطهاد وظلم.. ويجب أن نعلم أنه لا فكاك من ذلك الحصار وتلك العاقبة سوى بالاندماج والتعايش مع المجتمعات المستضيفة.. والتكيّف مع عاداتها وتقاليدها.