كنا نتابع في أمسية أسرية موسعة لنهاية الأسبوع ببيت الوالدة، كلمة الملك عبدالله في دعوته لمحاربة الظلم والفقر والتعصب لبناء مستقبل كوني يقوم على العدل والتسامح والسلام في لقاء (قمة حوار الأديان) المنعقد بواشنطن الأسبوع الماضي ليومي الأربعاء والخميس 12-13 من هذا الشهر- نوفمبر 2008م بما بدا توجهاً نحو بناء شراكة أممية حول هذه المبادئ،
حين فجأة قالت شابة من شباب الأسرة المتواجد عدد كبير منهم حينها: (والله أعتقد أنها فكرة شبابية وكوووووووول تلك التي فكر فيها الملك عبدالله بالدعوة لهذا الجمع الدولي لحوار الأديان). على أني، وإن كنت لا أشاركها ذلك الأسلوب الشبابي في التعبيرعن الموضوع؛ فقد كنت أرى ما ترمي إليه، ومع ذلك فقد قررت أن أوسع بشيء من التحدي مدى الحوار عكسيا؛ أي أن أقوم بنقله من نطاق دولي إلى نطاق أسري، وإن كان المفترض عادة العكس أي أن تأتي الحوارات في المستوى الخاص تأسيساً للحوار في المستوى العام، إلا أنني رأيت أن لا بأس من تجريب أن أفكر بطريقة جدلية؛ حيث يمكن الانطلاق من نقطة الحوار في مستواه العام للدخول في حوار على مستوى خاص كالنطاق الأسري والعكس. لذا فلم أترك قولها يمر دون تعليق وسألت بنبرة محفزة لأفراد آخرين من الأسرة للدخول طرفاً في الحوار: ماهو الشبابي في الدعوة إلى (حوار الأديان) وهي دعوة قديمة وموجودة تاريخياً في العلاقات بين التجمعات البشرية على اختلاف أشكالها المجتمعية مما قبل العصر الحديث. ووجدت لي في تساؤلي مؤيدين ومعارضين من شباب الأسرة، فمن قائل (ألم يكن حلف الفضول شكلاً من أشكال اللقاءات التاريخية على منظومة من القيم الإنسانية المشتركة بين القبائل التي لا بد أنه لم يكن من الممكن دون حوار التوصل إلى عقد تآلف حولها بما مثله ذلك الحلف) وهو الحلف الذي أشاد بمسعاه السلمي والأخلاقي الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى أخرى قائلة: إن فكرة الحوار بمعناه السياسي المتداول هي حقا فكرة جديدة ولدت من رحم الصراعات الدولية بأبعادها الاقتصادية والثقافية والسياسية، وإن تقاربت من حيث الهدف في (التعايش السلمي) بين عناصر التنوع البشري سواء أكان دينيا أو سواه مع ظواهر تاريخية مشابهة، قد تسمّى حوارا، وقد تسمَّى جدلا أو تلاقحا، أوقد تكون مجرد تجاور شرط أن يكون تآلفيا بين عناصر أو مواضيع الاختلاف. ومن قائلين بصعوبة مثل هذا الحوار ما لم تتغير موازين القوى غير العادل في العلاقة بين دول الشمال والجنوب والغرب والشرق والتي تتسبب في التوترات على مختلف المستويات. إلى آخرين قالوا بخطورة الاحتراب المذهبي بين الدين الواحد التي يجب أن يكون اشتراط عدم السماح بتأجيجها شرطا لأي حوار آخر مع الآخر. بجانب من قال بخشية أن يبقى الحوار قَصرا على القيادات السياسية والزعامات الدينية دون الشعوب، وحظراً على الرجال دون النساء فلا يعدوا أن يكون حبرا على ورق، لايقدم ولا يؤخر، في قرارات الحرب والسلم التي هي أخطر ما تكون قراراتها منوطة بالقمم دون القاع.
بالإضافة لشباب قالوا: أين الحوار المحلي والعربي والإقليمي من هذه الحوارات؟ أين الحوار في تجمعات الشباب في الجامع والجامعات والمنتديات إن وجدت؟ وكيف نقود حواراً عالميا حول الأديان بينما قد تتعذر مساحة صغيرة له بين الآباء والأبناء وبين المعلمين والطلاب، بين النساء والرجال في مواقف خلافية بسيطة في الدين الواحد.
عند هذه النقطة، وقد بدت الشابة الصغيرة متحفزة، وكنت حريصة على ألا تضيع نقطتها في تشعب الحوار على أهمية تلك الجوانب في إطلاق طاقات الشباب الإيجابية للتحاورفي هواء طلق بدل حبسها لتتسرب إلى مسارب سلبية -لا سمح الله- رأيت أن أعيد الكرة لصاحبة التعليق الذي فتح الباب لحوار أسري في أفق ما بدا أنه حوار دولي يأتي قصراً على من يسمون في فقه اللغة السياسية بأهل (الربط والحل). بقولي: دعوها تعبر عن رأيها وتشرح لنا ما تراه (شبابيا وكوووول في فكرة دعوة الملك عبدالله لحوار الأديان).
عندها انبرت البنت قائلة: طبعاً فكرة الدعوة لقمة عالمية لحوار الأديان فكرة كوووول وشبابية لعدة أسباب. وبدأت تعد على أصابع يدها, واحد: أن شبابية الدعوة تأتي من جرأتها في أن تخالف الاتجاه الوحيد المسيطر خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، والذي يكاد يكون عابرا للقارات بما يمثله موقف المحافظين الجدد في موقف الإدارة الأمريكية من التحريض على شن الحروب على شعوب آمنة وبعيدة من منطلق ديني أصولي يموه الطبيعة التوسعية لأطماعها في المناطق الحيوية لمصالحها، ويلتقي مع أصوليات أخرى متعصبة.
ثانيا, شبابية الدعوة أنها تعد عملا مفاجئاً ومدهشا، خاصة لأولئك الذين يحلو لهم أو يقعون في فخ توقعات تقليدية تحاول أن تصور عدم قبول الإسلام بالحوار مع الأديان الأخرى. والكوووول أن الدعوة لحوار الأديان تأتي من مسؤول أعلى في دولة تقع بلاده في قلب العالم الإسلامي باعتبارها أرض الحرمين الشريفين. ثالثا: أن الشباب عادة هم الذين يملكون النفس الطويل للحوار ويملكون من جدة خلايا العقل والوجدان ما يجعل عندهم استعداداً للأخذ والعطاء دون الارتهان لتصلب المفاصل الفكري الذي يعاني منه عادة الكبار بعد الأربعين (طبعا اضطررت لئلا أقاطع ابتلاع طعنة الإشارة للعمر), فواصلت الشابة القول: حيث يصير قلع ضرس عندهم- تقصد طبعا (الأربعينيون)- أسهل من مراجعة القناعات أو الإصغاء لقناعات غير التي تعودوا عليها. وأنهت مرافعتها عن وجهة نظرها بطرح جملة أسئلة على طريقة (الشباب العشريني الكووول) أليست الجرأة والقدرة على الإدهاش والقبول بمبدأ الحرية في تعدد القناعات من عناصر الشباب الكووووول ؟!.
عندما أطفأنا الضوء، وذهب كل منا لأحلامه، وجدتني بدوري أتساءل: أليس جديراً بأن يكون لمثل هذه الطاقات الشبابية تمثيل ودور في قمم الحوارالأممي؟!
***
لماذا ؟ وإلى متى؟!
أما سؤالي الخاص في لقاءات الحوار العالمي سواء باليابان أو مدريد أو واشنطن أو سواه من اللقاءات ذات الطابع السياسي والفكري والثقافي بشكل عام- إن لم يشطبه رئيس التحرير فهو موجه له شخصيا- أي للأستاذ خالد المالك كرئيس تحرير لجريدة الجزيرة، ومعه الأستاذ تركي السديري كرئيس تحرير لصحيفة الرياض، ولسواهم من رؤساء التحرير: لماذا وإلى متى سيقتصر حضور مثل هذه اللقاءات على حضورهم الشخصي فقط مع بعض ممن يرونه هم من مستشاري التحرير والمحررين (الكبار) بينما ليس من دعوة توجه لأي من كتَّاب الرأي بالصحف، وبخاصة ذلك الكادر المستبعد بشكل دائم من التمثيل في مثل هذه اللقاءت من كاتبات الرأي وسواهن من السيدات العاملات بالصحف، أو المنتميات إلى هيئة الكتّاب والصحفيين العتيدة ؟؟!. وأصرُّ على المطالبة بجواب ممن يجد منهم في نفسه الجرأة على عدم تجاهل السؤا. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد .
Fowziyah@maktoob.com