تمر على الإنسان لحظاتٌ تجتاحه فيه عواطف جياشة، فيتمنى حينها لو كان شاعراً أو أديباً ليعبر عن مكنونات صدره ليشارك الناس بمشاعره. أقول هذا في وقت تعصف في نفسي مشاعر وعواطف متلاطمة فجرتها إنسانية الأمير سلمان بن عبدالعزيز. حتى صرتُ كما قيل: |
طفح السرورُ عليَّ حتى أنه |
من كُثْرِ ما قد سَرَّني أبكاني |
فالأمير سلمان في قدره ومركزه تشغله مهام جسيمة ومسؤوليات لا تنتهي، ومع ذلك تراه متابعاً لشؤون الناس عن قرب. يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، دون كلل ولا ملل. فمنذ أيام أصاب والدي ألم في ظهره. وإذ بالأمير سلمان يعوده شخصياً، ويعود عمي عبدالله في اليوم التالي: فهذا من كريم السجايا التي قد يعجز حتى الشعراء والأدباء عن وصفها. |
وما فعله سموه معنا ليس مقصوراً علينا، بل لقد عمَّ بكرمه وحنوه جميع أهل الرياض حتى أصبح بمثابة والد حقيقي للجميع. وسكن حبه قلب الناس حاضرهم وباديهم، عربهم وعجمهم. حتى صدق فيه قول الشاعر: |
كأنك من كل النفوسِ مَركَّبٌ |
فأنت إلى كل الأنام حَبيبُ |
فلله دره ما أجمل أدبه، وما أكرم خصاله. فهو الأمير الأمير: أميرٌ باسمه، وأميرٌ بخلقه وفعاله. |
ومن لطيف ما نقله لي أحد الإخوة من أنه كان بضيافته وفد تجاري زائر للرياض، يضم بعضاً من العرب والعجم. ودار في إحدى الجلسات حديث عن ميزات مدينة كل من الحاضرين. وقد أسهب الجميع في وصف محاسن مُدنِهم: فهذا يفتخر بما في مدينته من مبانٍ شاهقة، وذاك يفخر بما لديهم من جسور معلقة؛ وآخر يتباهى بطبيعة مدينته الغنَّاء... وبين هذا وذاك أجمع القوم على أنَّ في الرياض ما يفوق ما عند الجميع من هاتيك المحاسن. قالوا أنتم لديكم في الرياض سلمان. وقد يستغرب المرء كيف عرفوا بأمر الأمير سلمان وهم أغرابٌ زائرون. ولكن تبين أنهم خلال تنقلاتهم بين أهل الرياض كانوا يسمعون قصص الأمير في كل مكان، وكيف أنه -بالرغم من كل مشاغل في إدارة إمارة تزيد في مساحتها على مساحة دول كبيرة- يتابع أحوال الناس عن قرب وكأنه متفرغ لشؤونهم. وكأنه لا عمل لديه سوى متابعة أحوالهم. وسمعوا كيف يشملُ بعطفه الجميع، وكيف يستوي تحت عدل سيفه الكبير والصغير، والغني والفقير. سمعوا كيف أن بابه مفتوحٌ لكل الناس بدون استثناء. حتى أن كثيراً من الناس يأتي مجلسه لا ليطلب شيئاً سوى أنه يريد أن يشكو همه كما يشكو الابن همومه لأبيه. وقد قلتُ في نفسي لو عرفوا المدرسة التي تخرج منها لما استغربوا. |
|
أكرم بذي أدبٍ أكرم بذي حسبٍ |
فإنما العزمُ في الأحساب والأدب |
والناسُ صنفان ذو عقلٍ وذو أدبٍ |
كمعدن الفضة البيضاء والذهب |
فهو قد تخرج من مدرسة أبيه المؤسس الملك عبدالعزيز: الذي عندما وحَّد هذه البلاد الشاسعة المترامية الأطراف كان سلاحه الأول، الدين والسخاء والكرم والعدل والخلق الرفيع. وقديماً قال الشاعر: |
بأبيه اقتدى عديٌّ بالكرمْ |
ومن يشابهْ أبَاه فما ظلمْ |
فهنيئاً لنا بسلمان، وطوبى لنا بسلمان وحمداً لله على سلمان. فبه ازْدانَت الرياضُ حتى صارت شامةً بين عواصمِ بلدان العالم. |
|