لا شك أن الملتقيات والندوات والمؤتمرات التي تعقد لمناقشة هموم ومشكلات إنسانية واجتماعية وصحية وتربوية وسياسية لتصل لحلول لهذه المشكلات ومنفس لهذه الهموم لا شك أنها إنجازات مفرحة، لكن الإنجازات الأعظم والأهم هي حين تتمخض هذه اللقاءات عن توصيات تؤتي ثمارها عاجلاً غير آجل!! ولعله من أسباب الفخر والاعتزاز أن تكون مملكتنا الحبيبة صاحبة السبق في أولويات الكثير من هذه الملتقيات على مستوى العالم العربي والعالمي.. ومن الجدير والمهم أن نتوقف للتحية والتقدير عند هذه النقطة لكل وزارة أو مؤسسة أهلية أو حكومية ولكل مسؤول يبادر لتبني ودعم مثل هذه الملتقيات والمنتديات التي بلا شك تسهم إسهاماً كبيراً في التنمية بشكل عام وفي خدمة الإنسان الذي هو عصب التنمية ومحورها المهم بشكل خاص. وها هو الملتقى العلمي الأول للتوحد يعقد في جدة وعلى مدى ثلاثة أيام تتبناه إحدى جمعياتنا الخيرية النسائية لتؤكد للجميع أن المرأة السعودية تؤرقها هموم مجتمعها والهموم الإنسانية بشكل عام وتسعى جاهدة للبحث العلمي ودعوة المعنيين والمهتمين بكل قضية تبحثها.. فكان هذا الملتقى الأول برعاية من جهات تهدف لخدمة التوجهات الرامية لخدمة المجتمع ورعاية من صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز.. فتحية تقدير أوجهها للجمعية الفيصلية النسائية وعلى رأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة فهدة بنت سعود رئيسة الجمعية. ويعد هذا الملتقى من أهم الملتقيات لأن موضوعه يهم شريحة كبيرة من الناس، فما من مدينة من مدن المملكة إلا وفيها نسبة من حالات التوحد مهما كانت بسيطة إلا أنها مهمة جداً ويلاحظ تزايدها كما يلاحظ للأسف إهمالها من قبل الأهل، إضافة إلى أنها لا تجد الرعاية الكافية أو الصحيحة والسليمة من المؤسسات التربوية والصحية، بل إنها مرفوضة في مدارسنا ورياض أطفالنا لعدم وجود الفهم الصحيح لأوضاعهم وحاجاتهم وبالتالي عدم وجود المتخصصين في مثل هذه الرعاية إلا ما ندر ولا يختلف الوضع كثيراً في الدول العربية مما زاد في حزن وقلق الأهل الباحثين عن علاج أبنائهم التوحديين ومعنى أن يعقد الملتقى بهذا الحجم هو أن الإحساس بالمشكلة -إن جاز لنا تسميتها كذلك- بات واضحاً ودون شك سيكون للملتقى نتائج موفقة بمشيئة الله، فالمشاركون والمشاركات إخوة وأخوات حملوا على عاتقهم هماً اسمه (التوحد واقع ومستقبل)، فواقع التوحد مؤلم إلا أننا نرجو أن يكون مستقبله القريب مع ملتقاه الأول مستقبلاً مشرقاً، ونأمل أن تكون الملتقيات القادمة حافلة بالإنجازات التي تحققت على أرض الواقع بتجارب ومشاهد حية.. ومن تصفحي للموقع المخصص وجدت أسماء لإخوة وأخوات من المجتهدين والمجتهدات والساعين للنهوض والرقي بكل ما يخدم الفرد والمجتمع سواء من مملكتنا الحبيبة أو غيرها من الدول المشاركة.. كما وجدت من ضمن الأسماء صاحبة السمو الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي مديرة مركز والدة الأمير فيصل بن فهد -يرحمها الله- للتوحد. هذا المركز الذي ولد فيه الاهتمام بالتوحد وحالاته.. فكانت الصحوة الأولى التي انطلقت على مستوى العالم العربي من خلال الملتقى ومن المتحمسات لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والمتتبعة لأحوالهم.. تسعى بكل ما تملك لخدمة المجتمع والارتقاء بمستوى تدريب العاملين والعاملات على تعليم هذه الفئة، فقد لمست آلام الأهل وعايشت متاعبهم حين يفتقرون لعدم الاهتمام وحسن الرعاية.. فأصعب أمر على المرء حين يرى أحب الناس إليه لا يستطيع التكيف أو التعايش مع ذاته ومع الآخرين ويقف عاجزاً أمام مساعدته والخروج به من زاوية النظرة القاصرة لما يعانيه من توحد إلى بوابة مشرقة من الآمال والحقائق التي تؤكد أنه لا يأس مع الحياة.. وأنا هنا أهنئ نفسي وأهنئ الجميع بهذه الخطوات الإنسانية الجميلة والهادفة التي ترسمها دولتنا الغالية متمثلة في المبادرة لعقد الملتقى من الجمعية.
وكم أتمنى أن تتسع مدارك الأهل حيال أبنائهم منذ مولدهم وأن يتتبعوا نموهم في جميع نواحيه ليكتشفوا أي حالة تحتاج لرعاية خاصة أو علاج مبكر، فأبناؤنا هم أكبادنا تمشي على الأرض وهم عدة المستقبل، فإذا كانوا أصحاء معتنى بهم، كانت بالتالي حياتنا صحيحة ومعتنى بها وكان مجتمعنا مجتمعاً قوياً سليماً، وإنني أتمنى أيضاً أن يواصل المهتمون بمثل هذه الحالات متابعة جهودهم وعدم توقفها ونشر الوعي اللازم للأهالي كي يحسنوا التعامل مع هذه الفئة ويعطوها حقها من الرعاية والاهتمام.
- مديرة التعليم الأهلي والأجنبي بمحافظة الطائف