يحيرني عقل الإنسان ويربكني ويفرض عليّ بما أراه منه أن أقف مشدوهاً ومصدوماً لا أعرف كيف أقيم الأمور أو أبررها.

فهذا العقل الذي أبهرنا بهذه المنجزات والاكتشافات العلمية الدقيقة التي مكنت البشرية - بعد توفيق الله ومشيئته - من أن تصل القمر وتجوب مركباتها هذا الكون الفسيح؛ لتعرف الكثير من أسراره، يعجز أن يفهم أكثر الأمور بداهةً ووضوحاً، ويفرض على صاحبه أن يعود من معمله أو من مكان بحوثه ليسجد قبل أن ينام لشجرة أو لتمثال يعتقد أنه يسانده في تحقيق ما يحققه من اكتشافات وبحوث.

وهذا العقل الذي فهم واستنبط الكثير من قوانين هذا الوجود وضوابطه، واستطاع أن يتعامل معها ويسخرها لما يرى فيه منفعته، لم يتمكن حتى الآن من أن يفهم صاحبه، ويلجم هوى نفسه ونزواتها، ويعرف كيف يتعامل مع نفس متقلبة ومتغيرة في معاييرها وفيما تحب أو تكره؛ فبقي هذا العقل كما يظن يصلح كل شيء تقريباً، لكنه لا يصلح صاحبه ولا روح صاحبه، ولا يعينها على أن تتلمس الطريق الذي يهديها طمأنينتها ويحقق لها سكينتها؛ لتسير أمور صاحب هذا العقل عندما تتعلق به كإنسان موجود في هذا المكان لغاية أساسية بغير عقلانية ولا رشد؛ فيفسد وهو يظن صلاحه، ويتدخل في قوانين موجودة قبله؛ لتنعكس آثارها سلباً عليه وعلى حياته بصورة عامة.

عقل يغوص في خبايا أكثر الأمور غموضاً ليستخلص منها ما نسميه حقائق وقوانين، لكنه يغفل عن أهمها بأن كل شيء إلى نهاية حتمية؛ فلا يعين صاحبه على أن يتهيأ لها.. ألا يحيركم هذا العقل كما يحيرني؟.. والله المستعان.