كتبت في المقال السابق عن العوامل والعلاجات التي تخرج السوق من مرضه ومعاناته، كما تطرقت في مقالي السابق عن عدة أمور أهمها التوقيت المناسب لعمليات طرح الشركات في السوق، وكذلك المبالغة في علاوة الإصدار غير المبررة، وتكلمت كذلك عن انعدام الشفافية في المعلومة التي يتلقاها اللاعب في السوق، وها أنا أعود في مقالي لهذا اليوم لأسلط الضوء على بعض النقاط التي لها مساس حقيقي في التأثير على سوق الأسهم، فإن ما يحصل الآن من كساد عالمي وانهيارات مالية متلاحقة وبنوك تعلن إفلاسها، ولكن نأمل أن تفصح (ساما) عن القروض المعطاة من قبل البنوك لكثير من العمليات العقارية التي تقدر بالمليارات وهذه معلومة ليست صعبة على مؤسسة النقد، كما أنني هنا أتساءل كيف لاقتصاد متين بلغت ميزانيته 652 مليارا أي بفائض يعادل 252 مليار بنسبة تجاوزت 6.5 بالمائة مقارنة ب5.3 لعام 2005م ومع ذلك يتجه السوق لانهيارات متتالية؟! وأعتقد أن عدم التفاعل هذا يعود إلى عدة أسباب، من أهمها عدم وجود هيكلية واضحة لهيئة سوق المال، وكذلك عدم وجود الشفافية، السوق السعودي سوق ناشئة، حوكمة الشركات لم يتم إلا من وقت قريب ولم تفعل، هيئة سوق المال ما زالت غيرة قادرة على مجاراة سوق كبير مثل سوق الأسهم السعودي، المعايير في الشركات غير فاعلة، طرح شركات لا تستحق الطرح في السوق، بقاء شركات خاسرة لعدة سنوات وما يزال تداول أسهمها في السوق، ضعف ثقافة المضارب، عدم فاعلية البنوك ودورها السلبي في الارتفاع والانخفاض، التجمعات (القروبات) التي تتخذ صفة (اللوبي) السلبي على مسار السوق كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى عدم التفاعل، وكذلك ما يحصل في العالم من انهيارات غير مسبوقة وكساد عالمي جعلت من المضاربين والمستثمرين يتوخون الحيطة والحذر، أعتقد متى ما تم تأطير القوانين ووضع معايير محددة بطرح الشركات فإن السوق سيتعافى شيئاً فشيئاً، كما أن هناك أسبابا كثيرة تجعل من السوق إذا تفاعلت هذه العوامل مع بعضها فإنه يتعافى من مرضه، أما استمرار الوضع بشكله العشوائي وأن القوي يأكل الضعيف دون إجراءات رادعة فان ذلك سيؤدي إلى مزيد من الهبوط، ومن المؤسف له أن السوق لا تخضع للمعايير الفنية الصحيحة وخاصة أن سوق الأسهم خارج لعبة الحسابات، وخارج معادلة التقييم المالي أو الأساسي أو الفني أو حتى النفسي وان كان التحليل النفسي يلعب دور أساسي في تلك المرحلة وكون السوق خارج هذه اللعبة فهو خارج أي أسس معيارية علمية، كما أؤكد هنا أن على هيئة سوق المال مسئولية تتحملها وعليها الكثير والكثير حتى تساير الوضع الموكل على عاتقها ولدى الهيئة الكثير من التقصير والأخطاء وان كانت تقوم بمحاولات ما زالت عاجزة وبطيئة وخجلة للحد من الانهيارات والأعاصير التي تسببت بخسارة ملايين من البشر المستضعفين والذين لا حول لهم ولا قوة، كما أن التنسيق في ظني بين أطراف العلاقة هيئة سوق المال، مؤسسة النقد، وزارة المالية، وزارة التجارة غير فاعل فالقرارات تصدر دون وجود تنسيق بين تلك الجهات ولو كان التنسيق فاعلا لرأينا نتائج فاعلة وأتمنى أن يتم ذلك في القريب العاجل، وحتى نكون منصفين فإن هيئة سوق المال قامت ببعض القرارات الايجابية وان كانت مسألة نسبية فما هو صائب لدي قد يكون خطأ لدى الآخر، ولكن أعتقد أن أهم ما قامت به الهيئة هو قانون حوكمة الشركات وإلزام الشركات بالإفصاح، وكذلك العمل بنظام الفترة الواحدة والمطلوب من الهيئة الكثير والسرعة الايجابية التي تصب في صالح السوق، هناك الكثير من العمل المطلوب من الهيئة ومن نافلة القول هنا إن تطبيقات اللوائح والأنظمة على المتعاملين في السوق ما زال قاصرا ويحتاج إلى تفعيل والى المزيد من الحزم بالشكل الذي يعطي نتائج ايجابية وعلى المدى الطويل لاستقرار السوق وتهيئة مناخ الاستثمار فيه، ولا أنسى هنا أن أشير إلى أن الهيئة لم تستفد من تجارب وخبرات الآخرين في تقييم أوضاع وأسواق البورصات العالمية لكي يتم من خلالها قياس الجدوى من تطبيق الأنظمة واللوائح الأجنبية على سوق الأسهم السعودي؟! ومتى ما رأت الهيئة بعد الدراسة والتمحيص أن هناك نظما ولوائح صالحة لإدخالها سوق المال السعودي أعتقد أن ذلك حسن ويجنبها حسابات الخطأ والصواب واختصار الزمن وتقليل التكلفة المالية، كما أنني في هذا الصدد لا أعرف إن كان هناك محللون قوائم مالية على مستوى عال من المهارة والاحترافية، إلا أن الشواهد تثبت عكس ذلك من خلال طرح بعض الشركات العائلية وعلاوات إصدار مبالغ فيها، بل هي لا تستحق ريالا واحدا لعلاوة إصدارها ناهيك عن كونها لا تستحق إدراجها بسوق المال السعودي؟! لكن أتمنى أن يكون أولئك موجودين لينتفع السوق بمهاراتهم وكفاءاتهم، وأعتقد أن الهيئة بصدد إخراج نظام يعطي المحلل حق التحليل إعلاميا من خلال منحهم شهادات وتراخيص يحق لهم بها الظهور إعلاميا!! أتمنى ذلك لان وضع أولئك المحللين وضع حساس يؤثر على مسار السوق سلباً أو إيجاباً، أتمنى أن يكون هناك محللون مؤهلون يقومون بهذا الدور، علي الهيئة تقدير ذلك ولكن أرى أن ذلك ضروريا مع معطيات كثيرة يجب أن تفعّلها الهيئة، وكلها عوامل تصب في إنجاح السوق واستقراره، وهنا قد يطرح القارئ سؤالا هل للانهيارات التي تشهدها أسواق المال السعودية تأثير على القطاعات الأخرى أقول هنا إن الخسارة في سوق الأسهم هي خسارة على جميع القطاعات وان ذكر احدهم بان بعض الناس اتجهت من سوق الأسهم لسوق العقار على سبيل المثال أو سوق المواد الغذائية أو سوق القطاع السياحي، لكن في ظني أن الخسارة تؤثر سلبا على كافة القطاعات لان الخاسر لا يستطيع أن يخرج لأسواق أخرى طالما الخسارة تلاحقه.
كاتب سعودي
Kmkfax2197005@hotmail.com