لاشك أن هذا هو السؤال الذي يتبادر بشكل يومي في أذهان المستثمرين، في ظل الركود والانخفاض المتوقع الذي تشهده جميع القطاعات، وفي ظل النزيف الحاد الذي تشهده سوق الأسهم السعودية. والحقيقة أنني وبعد اطلاعي على العديد من التقارير والدراسات والمقالات لم أجد إجابة اقتصادية شافية، بقدر ما لدي جانب استثماري أشد عمقاً وفائدة على المدى الطويل، ألا وهو الاستثمار في العقول، الاستثمار البشري، فهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي لا تطاله الانهيارات والأزمات المالية، ولا تقف أمامه كل العقبات والمعوقات، فليس سوقاً يتحكم بها الكبار ويرمون باللائمة على الصغار!، وليس مبنياً على عرض وطلب؛ فهو من يصنع الطلب، ولا يهمه الكساد، فالعقل البشري والإرادة القوية إذا تسلحتا بالعلم والمعرفة والقِيَم والهِمَم فإنهما تهدان الجبال، وتبنيان دولاً، وتشيدان القلاع، وتحركان المحيطات، {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْه الْجِبَالُ}، الآية.
فكم من إمبراطورية مالية انهارت هذه الأيام، ومهما كبرت مكانة الإنسان فدوامها ليس مؤكداً؛ فلربما تذهب من بين يديه، وقد قيل قديماً (لو دامت لغيرك، ما وصلت إليك!) ولكن الإنسان الذي يملك العلم والمعرفة والهمة العالية هو الأقدر على الصمود والوقوف مجدداً مهما حدث له، وكما يقول نيلسون مانديلا (إن العظمة الحقيقية في هذه الحياة هي أن نكون قادرين على الوقوف مجدداً في كل مرة نتعثر فيها)، فحتى لاعب كرة القدم الذي يحقق الملايين من خلال استثماره في قدميه لا يملك الاستدامة، وأية إصابة بإمكانها أن تعطل جسده عن العطاء، وقد رأينا كيف حققت سنغافورة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم لسنوات متتالية، وهي مجرد جزيرة صغيرة لا تملك أية موارد طبيعية تجعلها تحقق ذلك، ولكن عندما قادها (لي كوان يو) للاستثمار في العقول والإنسان استطاع أن يجلب الثروات ويتفوق على من يملكون الموارد الطبيعية والمساحات الجغرافية والكم البشري الهائل الذي ربما ليس سوى صف من الأصفار في الكثير من دول العالم الثالث رغم ما تملكه من ثروات!
إذاً، وبعد كل هذا، علينا أن نستثمر في الإنسان أولاً، ويكون ذلك من خلال تطوير التعليم عبر التغيير الشامل لأسلوب التلقين والتحفيظ الذي أثبت فشله، والاستفادة من أفضل التجارب التعليمية العالمية، ومزجها مع ثقافتنا الإسلامية العظيمة التي تحث على العلم والمعرفة، وعلينا أن نستثمر في الأجيال التي فاتها تطوير التعليم من خلال مراكز التدريب التي تبنى بأسلوب تجاري مؤسسي معرفي مبني على القِيَم والربحية في آنٍ واحد.
أذكر أن أحد كبار قادة الأعمال والفكر الإداري الأمريكي سُئل سؤالاً في حوار صحفي بأنه لو سُحب منك كل ما تملكه مع حقك في أن تبقي شيئاً واحداً فما الذي ستبقيه؟ فأجاب: أريد أن أظل ممتلكاً للمقدرة على التحدث والإقناع، ومن خلالها سأستعيد كل ما كنت أملكه!
majed@alomari.com.sa