تكمن مفارقة الطرح الإعلامي محلياً بأنه تجاوز قنوات الاتصال المتعارف عليها والمتوارية في الذاكرة الجمعية، التي باتت تمثل جزءاً حيوياً من البنيان الثقافي والشعبي للمجاميع.
فلم تعد المعلومة تصل في قالب وعظي من النصح والإرشاد (قل ولا تقل أو افعل ولا تفعل)، كما هو الأمر في الخطب المنبرية أو الجانب الآخر الخاص بنبرة الحكمة والموعظة في الأشعار والآداب الشفوية. المعلومة في العصر الحاضر تجاوزت هذا الأمر بسنوات ضوئية، ومن هنا بات الخطاب الإعلامي الجماهيري يتطلب الحرفية والمهارة والقدرة على صياغة المعلومة بشكل يستطيع من خلاله تكوين تيار رأي جمعي، أو توجه عام إيجابي مع مصادر البث.
ومن هنا تكمن أهمية تكوين رأي عام ناضج وواعٍ وقادر على الفرز والغربلة، ويستطيع أن يحدد الطرح المنطقي والموضوعي عن الآخر المنطلق من تشنجات وانفعالات عاطفية شخصية فاقدة اتصالها بالمجموع.
وفي الإعلام عندما يستلب الطرح الموضوعي، ويضيّق عليه، ويستبدل بطرح أحادي الفكرة المنطلقة من مصدر بث وحيد، عندها سرعان ما تتلاشى ألوان الطيف البراقة التي تعكس جميع أطياف المجتمع، أعني به هنا الطرح الطموح المتفائل الذي يستمد منه المجتمع حيويته وتوهجه ورغبته في التقدم والتغيير، وتجاوز مرحلة الانقياد القاصر والأعمى.
ومن هنا بالتحديد نجد أن المرحلة الحالية باتت تتطلب وبشكل ملحّ وجود مرجعيتين تشريعيتين لضبط الخطاب الإعلامي ووضعه ضمن قوانينه العادلة وأدواره المتوقعة.
المرجعية الأولى هي وزارة الإعلام: فالأمر الآن بات يتطلب وبشكل ملحّ تفعيل دور المحاكم الخاصة بالقضايا الإعلامية، وما يتعلق بعمليات القذف أو التشهير، أو نشر أو بث معلومات مغلوطة أو خادشة، أو محاولة تضليل الرأي العام، وجميع ما يتعلق بسن الأنظمة والقوانين الخاصة بضبط التجاوزات وتأسيس مناخ إعلامي صحي وإيجابي وقادر على القيام بمهامه بصورة جيدة.
المرجعية الثانية هي هيئة الصحفيين: التي ينتظر الوسط الإعلامي المحلي تفعيل دورها على أحرّ من الجمر؛ فهي ستكون المظلة التي سينضوي تحت سقفها الكثير من الإعلاميين، والتي ستكون الصوت الذي يعبر عنهم ويطالب بحقوقهم.
فالإعلامي الآن - مع الأسف - هو كائن معلق بحبال الهواء, لدرجة أنه لا يوجد هناك عقد رسمي بينه وبين صحيفته أو جهته الإعلامية التي يتعاون معها، ومن الممكن في أي لحظة أن يكتشف أنه لا يقبض إلا على الريح فيما لو جاءه خطاب بالاستغناء عن خدماته فجأة.
المشهد هنا يشعرنا بالعبثية واللاجدوى، فأي زاوية صحفية تغلق إنما هو إغلاق لنافذة للضوء والهواء، يستطيع المجتمع أن ينظر منها وأن يتنفس خلالها، وأن يستجيب للتعددية المطلوبة في زمن.. الإصلاح!