عندما يدخل الإنسان مكاناً معيناً، ويشعر برائحة مزعجة فإنه يبادر باستعمال ملطف الجو ليضفي رائحة زكية على المكان وبالتالي فإن درجة الارتياح ستنعكس على حالته المعنوية، وما يرفع من مستوى الاستقرار النفسي تبعاً لطبيعة النفس التي تشحذ الاسترخاء على خلفية الأسباب المؤدية له، وشأن النفس ورغبتها في كل ما هو مريح لا يرتبط فقط في هذا الجانب بل يرتبط في أمور شتى، فإشباع الحواس بكل ما هو لائق وطيب أمر ينشده ويسعى إلى تحقيقه كل إنسان ذكراً كان أم أنثى، غير أن الأسباب المحسوسة لتمكين المرء من تحقيق رغبته تكاد تكون الأبرز تأثيراً لأنها تتحقق بفعل ظاهر ملموس كما في حالة ملطف الجو في حين أن اللطف أو اللطافة تشمل في محتواها الجميل الواسع في شتى مناحي الحياة، فإذا كان الرذاذ الخارج من علبة الملطف يشعر بالانتعاش، فإن الكلام الخارج من اللسان لا يقل أثراً في رفع المعنويات التي تنخفض عطفاً على الضغوطات الحياتية المختلفة، ولعل أبرزها انخفاض المستويات الاقتصادية وتأثيرها بشكل مباشر على غلاء المعيشة والمدخرات، وحينما تحاصر الضغوط النفسية المختلفة الناس وتمعن في تشتيت التركيز وإدراج مزيد من الآلام فإن المنسوب الجميل الفائض من اللسان يقل تبعاً للمراحل المختلفة، وبذلك يكون الجو العام لا سيما الأسري مشوباً بكثير من القلق والتوتر في الوقت الذي يجب فيه أن يرتفع هذا المنسوب للتخفيف من حدة التبعات التي تنشأ في ظل الظروف المحيطة، والمشكلة أن بعض الأسر حينما تواجه بعض الظروف الصعبة فإنها تزيد الأمر صعوبة بدلاً من محاولة التخفيف من حدتها، فيسهم الاحتقان والتبرم وإلقاء اللوم بصيغة الماضي واستخدام كلمة (لو) وهي أي هذه الكلمة غير مستحبة لأنها ترسخ الاتهام بالتقصير من جهة وتفتح باباً للتشكيك وإضعاف قوة الإيمان من جهة أخرى، لأن من ركائز الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره وكله من عند الله سبحانه وتعالى، إن غياب الكلام الجميل المعبر عن التداول من شأنه إبقاء الجو جافاً شاحباً، بل إن كثيراً من الحلول والمعالجات السليمة لمشاكل معينة تغيب عن الأذهان لأن الأذهان مشونة بكم وافر من الكلام الحاد الجاف، الذي لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، والعبارات التي تسهم في تخفيف التوتر والانفعال كثيرة ولا أبلغ من الاستعانة بكلام رب العالمين في السراء والضراء {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} وغيرها كثير، وهذه المداخل في الحديث تعتبر القوة الدافعة لضخ الاطمئنان للنفس، وبالتالي فإن حالة الاسترخاء المعنوي لا تلبث أن تحيل الواقع المتأزم المليء بالهموم إلى آفاق رحبة مليئة بالأمل والتفاؤل، وهكذا فإن ترطيب الأجواء بتلطيف القلوب، لا يقف تأثيره عند البحث عن الحلول برؤية واقعية متزنة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى جلب مزيد من الفرص الداعمة لتحسين مستوى الأسرة من جميع النواحي وتأثير هذا الأمر إيجاباً على مستوى تحصيل الطلبة للعلوم واستيعابهم للدروس وأدائهم الواجبات في جو أسري مفعم بالطمأنينة لأن الأذهان متحفزة لتفعيل الطاقة على وجه صحيح بعيداً عن القلاقل والمنغصات المختلفة.
hamad@asas-re.com