ارتباك وانحدار في البنية والعمق الإنساني أنْ يقدم إنسان على قتل أخيه الإنسان بغير حق، وتنهزم إنسانية إنسان لا يدري على أي حال مع الدنيا لمن هو جاره، ولا نجد في مغرور متجبر بعضاً من إنسانية الإنسان المتواضع الوديع المحب، والتهور والحماقة |
كطابع لسلوك إنسان أمر ينهال من تمام إنسانيته، ومَن كان رصيده الأخلاقي متدنياً نظر الغير له بعين الريبة والشك في رصيده من الإنسانية، وهذا أناني نبحث عن إنسانيته وعنه فنجده في أحضان ذاته تداعبه ويداعبها دون حس بغيره حتى وإن كان ابنه أو ابنته.. ولقد قال أبو العلا: |
فلا هطلت علي ولا بأرضي |
سحائب ليس تنتظم البلاد |
ومن زاد سخطه وكثر عتبه يجرح إنسانيته، ويجد أن شفقة من حوله تسبق التقرب إليه أو الحرص على روابط من الصداقة معه، ومن المعلوم أن الأمانة والصدق من القيم التي لا تتجزأ؛ فمن غير المفهوم أو المقبول أن يخون الأمانة أحد في الصباح ويدعي البراءة في المساء؛ إن ذلك خدش للإنسانية وتكسير لبعض من عظامها. |
ومن يفرط بإنسانيته يتنازل عن كل انتماء حتى وإن ظن أنه في غنى عنه، وهذا ما يدمر الذات الاجتماعية والحس العام، ويؤكد ضياع الأساس لديه فكل إنسان مرجعيته إنسانيته يُعرف بها، وبصفاتها يتميز من بين كل المخلوقات. |
والناس شعوب وقبائل، ولكنهم وإن اختلفت أجناسهم وأماكنهم وأزماتهم فهم في الإنسانية سواء، ولا يعني هذا أنهم شركاء مكان، بل شركاء في الأصل والمنبت، وعليهم مسؤولية واحدة أمام الله ثم العرف من الأخلاق ونهج السلوك. |
وقد يتحمل البعض ما يعتري حياته من عقبات أو متاعب أياً كان مصدرها، لكنه يحس بأشد الضيق حين يتكبد السوء من الآخرين، وبالذات الأقرباء والأصدقاء، ولقد قيل: |
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة |
على المرء من وقع الحسام المهند |
|
والإنسانية ليست واجبات توجه بالأمر والنهي، ولكنها رابط يؤكد معنى يتلازم وكل معاني الحياة ووجودنا المستقر، وأجزم بأن الكل يحس بالامتنان لكل فعل إنساني صادق.. وقيم الإنسانية أكثر من كثير ونتذكر هنا الماضي والحاضر الذي يتميز برجاله، حيث التزموا قولاً وعملاً بمفهوم الإنسانية وما تعني، وجميعهم تميزوا بذلك، فهم أبعد ما يكون عن وصف أبو العلاء حيث قال: |
كم ادعى الطهر ناس ثم كشفهم |
مر الزمان فكان القوم أرجاسا |
ولكنهم في نطاق إنسانيتهم وعمق تفاعلهم مع معانيها يقتربون من وصف الشاعر: |
خلقت مبرَّأ من كل عيب |
كأنك خلقت كما تشاء |
وفي وصف آخر لروابط الناس يقول الشافعي: |
لما عفوت ولم أحقد على أحد |
أرحت نفسي من همّ العدوات |
|
عاشر بمعروف وسامح من اعتذر |
وفارق ولكن التي هي أحسن |
ومن الصفات التي تميز إنسانية الإنسان القيم الرفيعة، ومنها الود المخلص، الصدق والأمانة، حسن المعشر، الاهتمام بقضايا الغير والمشاركة في حلها وخدمة أهدافها، وكذلك العفو والكرم والتسامح، جميعها صفات تميز الحياة، وفي حسن الخلق عائد من أجل النفس والإنسان في كل مكان وزمان بدون تمييز للون أو جنس. كما أن الإيثار لمصلحة عامة من السلوك الإنساني الذي جاهد الإنسان من أجله، والعطاء من النفس وما تملك تجسيد لهذا. |
إن الذاكرة تتمثل العطاء وبإيمان من خلال مواقف الصديق أبي بكر وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وغيرهما كثير من رجال صدر الإسلام، ومن يتذكر هذا يتذكر أثره. |
والفضل فيه مع بديات الرسالة أن قيمة الإنسان من نبع إنسانيته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مكارم الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك). ومن الإنسانية خلق التسامح كما قال الشاعر. |
إني وهبت لظالمي ظلمي |
وشكرت ذلك له على علمي |
|