Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/12/2008 G Issue 13214
الثلاثاء 04 ذو الحجة 1429   العدد  13214
الزواج في دائرة الاستثمار الربحي
د. خالد بن محمد الخضر

الزواج هو أحد سنن الكون الذي شدد عليه ديننا الحنيف ونادى به رسول الهدى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بل إن رسول الله يتباهى يوم القيامة بأمته وكثرتهم، فقد قال في الحديث الشريف بما معناه (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وقال في حديث آخر بما معناه (تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، والزواج هو عقد وشراكة بين ذكر وأنثى لإدارة دفة تلك الشركة للوصول بها إلى بر الأمان، وللزواج الناجع أثر بالغ بارتقاء الأمم وتطورها ونموها، ففي استقرار الأسر ونجاحها استقرار على كافة الصعد الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، تقول الإحصائية الصادرة من وزارة التخطيط إن عام 1999 تجاوزت العنوسة ثلث الفتيات في السعودية، وإن اللاتي بلغن سن الـ(30) ولم يتزوجن بلغن 1.529.418 فتاة، كما أظهرت نتائج احدث المسوح السكانية في المملكة العربية السعودية التي أجريت عام 2007، أن نسبة العنوسة بلغت 2.6%، أي أن فتاة بين كل 16 فتاة سعودية يمكن تصنيفها ضمن سن العنوسة، حسب تقرير لصحيفة الوطن السعودية الخميس 14-08-2008م، وأفادت نتائج المسح أيضاً أن نسبة المطلقات بلغت حوالي 2.4% والأرامل 5.4%، وعندما نسأل هنا لماذا فشلت جهود إرساء قيم ومفاهيم جديدة لضبط تكاليف الزواج فإنني أجمل الإجابة بعدة عوامل أهمها: ثقافة المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية، وبالذات ما بعد عصر النفط حيث ارتبط مفهوم البذخ والتكاليف المرتفعة بالقيمة والمكانة الاجتماعية للزوجة وأهل الزوجة، وحتى الزوج وأهله، غياب أو قلة الخطاب التثقيفي من قبل خطباء المساجد أو الإعلام المرئي والمكتوب، عدم تكاتف وجهاء المجتمع لوضع أسس ونظام يحدد تكلفة الزواج وقيمة المهر، ناهيك عن تحول إدارة دفة الزواج من الرجل إلى المرأة ومعلوم أن المرأة في الغالب تعشق المظاهر والزينة والمباهاة، كذلك الابتعاد وعدم التمسك بالمنهجية الإسلامية التي سنها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته في قانون حفلات الزواج، وكيف أن البركة في الزواج مرتبطة باليسر وقلة المهر، وهناك أمور أخرى أجملها في المواصفات العالية التي يفرضها أهل الزوجة على الزوج من اشتراطات ومعايير تكون في الغالب شروطاً تعجيزية للزوج، وللمخارج المتاحة كالزواج من أجنبية بتكاليف قد تكون زهيدة وإن كنت أتحفظ على كلمة زهيدة لما يترتب على هذا الزواج من تبعات وتكاليف باهظة والتي تأتي بعد الزواج، وفي هذا السياق قد يسأل سؤال ما مسئولية قادة ووجهاء المجتمع في تقديم القدوة (النموذج)؟ فأقول إن لوجهاء المجتمع والمسئولين وكبار رجالات الدولة الأثر البالغ في إرساء قواعد القدوة والمثل في المجتمع السعودي لان القاعدة تقول إن الصغير يتأثر بالكبير، ويقول ابن خلدون في مقدمته إن البسطاء يتّبعون الأقوياء والصغير يتأثر بالكبير وهكذا، ومما يثلج الصدر ويسر الخاطر ما يقوم به بعض الأشخاص من شيوخ قبائل ورجال أعمال ووجهاء في المجتمع وإن كانت هذه حالات لا ترقى إلى التعميم إلا أنها رائعة ومؤثرة من خلال قيام هؤلاء بتزويج بناتهم بمهور ميسرة تصل أحيانا إلى ريالات معدودة، وكذلك الطريقة التي تنتهج في عملية الزواجات العامة والجماعية كتزويج 100 عريس في ليلة واحدة، كل هذا يؤدي إلى القدوة والمثل، ولن نتطرق هنا إلى إيراد بعض القصص التفصيلية التي حصلت في المجتمع، فهي معروفة وبارزة في وسائل الإعلام، ولكني هنا أؤكد على أن نبدأ من القبيلة بحيث تسن القبيلة وعلى رأسها شيخها قانونا سارياً ومتّبعاً لقيمة المهر وتكاليف الزواج وكل شيخ قبيلة يحدد المهر المعقول بحيث تصبح تلك سنة حسنة يثاب عليها إلى يوم يبعثون!. وللدور الذي تلعبه المؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني في طرح مبادرات تساعد على تحقيق أعباء الزواج وتشجيع الشباب على الإقدام عليه له أثر بالغ الأهمية فاعتقد أن للمؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الدور البالغ والأثر الكبير في تحقيق وتذليل أعباء الزواج وتشجيع الشباب على الإقدام عليه، وهذا واضح وجلي في ما تقوم به بعض المؤسسات الخيرية للإعانة على الزواج، وكذلك جمعيات البر في مساعدة الشباب الراغبين في الزواج، وكذلك صناديق الدولة كصندوق الاقتراض والتسليف الذي يقدم سلفاً للراغبين للزواج، وكذلك رجال الأعمال القادرون وهم يقومون بالدور المأمول منهم، إلا أنني أقترح مع كل هذه الجهود وهذه الخطوات الرائعة أن يكون هناك مظلة موحدة ترعاها وزارة الشؤون الاجتماعية وتنضم لتلك الجهة كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية ويكون مخصص لها ميزانية من قبل الدولة، وكذلك تفتح باباً للتبرعات من القادرين على التبرع بحيث يتسنّم دفة هذه الجهة إدارة قادرة ومهنية وعادلة حتى تستطيع أن تستثمر هذا المال في استثمارات تعود على تلك الجهة بالمال الكبير والخير الوفير حتى نغلق باب المساعدة والمعونات من الآخرين!.. هنا نستطيع أن نحصل على ميزتين هامتين هما توحيد الجهود المبعثرة في هذا المال، الأمر الآخر أن نستثمر المال الموجود وتنميته وكذلك تدوير رأس المال حتى نستطيع زيادة الأرباح والاستثمار والدخل لنغطي زيادة الطلب المتزايد على هذه الجهة من قبل الموعزين طالبي الزواج، وأتمنى من خلال هذا المنبر أن تُقِر الدولة هيئة عليا ترعى مصالح راغبي الزواج، وتكون تلك الهيئة متزاوجة بين القطاع الحكومي والخاص.

* كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد