مررت ببوابتها..
لم يتدل الغبار.. ولا وجهاهما..
لكن تبدل المدخل، وحركة السير... وتلك الوجوه من تحت الأغطية.. وتلك خلف مقاود السيارات...
ذهب من ذهب، ترقى من ترقى.., تغيرت وظائف العشرات.. وهما عودة وأحمد واقفان وراكضان وجالسان ومجهدان في الصباح والظهر وما قبلهما وما بعدهما...
مسحت السنوات على وجهيهما بيدها..
الشابان تحولا لكهلين.. القويان وهنت عظامهما.. اللحية ابيضت في وجهيهما...
عيونهما النافذة خلف عربة مارقة أو قدما مقبلة أو إرسالية موعدها الدخول لمكاتب الأقسام.. اعتمرت نظارات
كي تبقى لها قوتها.. وتنفذان لمرماها...
أحمد وعودة حارسا بوابة مركز الدراسات الجامعية في جامعة الملك سعود...
يذهب الجميع وهما يكومان في الذاكرة مرايا السنين وتفاصيل الرحلة..
لا يزالان يتذكران الوجوه التي مرت.. والتواقيع التي عبرت وتغيرت.. والأصوات التي قررت ثم تنحت..
والسؤال على وجهيهما أقرؤه وحدي دون أن أسمعه: من يعبر من هنا ويسأل ما الذي نحتاج إليه من الترقية والتكريم والتحفيز..؟ وهما صامتان يؤديان عملهما دون تأفف أو تذمر أو طلبات...
هما نموذجان لكل من يقف أمام البوابات لكنه خلف رؤوس العابرين.. وجها يقابل القادم ثم يودعه..
ربما شأنه شأن البوابة ذاتها.. أو الكشك الجديد الذي انتصب بين بوابتي الدخول.. يرمز للتغيير بينما عودة وأحمد يرمزان للثبات.. لمنتهى العطاء.. لمبلغ الإخلاص... لأبعد ما يرمز إليه الصبر والصمت والتاريخ الحافل.. لكنه المنسي خلف بوق سيارة وضمن دولبة عجلاتها... أو هكذا أحسب.. إذ كثيرا ما تساءلت هل وضعا وأمثالهما موضعا يليق بسنوات كفاحهما في بنود التمييز والتقدير...؟ أم أن الحراس مجرد شخوص تتحرك كما يتحرك الغبار..؟
ألقيت عليهما تحية الصباح وذهبت وفي خاطري من تلك الأيام صورة نشطين يتحركان بوعي وانتباهة وأمانة وصدق... تلك الصورة التي ختمت بها دعائي لهما وما أملك إلا ذاكرة لا تندلق من ثقب.