يبدو أن الإرهاب الإلكتروني، والذي هو أحد الروافد الرئيسة لدعم الإرهاب العالمي، سيجري محاصرته وتطويقه، في الفترة المقبلة. من يتابع بعض مواقع الإنترنت، والتي في غالبها - للأسف - ينطق بالعربية، سيجد أن هناك نشاطا لافتا لترسيخ ثقافة الإرهاب، والدعوة إلى القتل وجز الرؤوس، ودحرجتها، بحجة مناصرة (الجهاد) الذي هو بلغة اليوم (إرهاب) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ خبراً مفاده: (اتفق وزراء داخلية وعدل دول الاتحاد الأوروبي أمس على إنشاء نظام مراقبة أمنية لمواجهة الإرهاب والجرائم المنظمة على الإنترنت. ويتيح النظام الجديد إمكانية مواجهة نشر التطرف ومحاولات الاستقطاب أو التخطيط لأعمال العنف والإرهاب، والترويج للمواد الإباحية، وسرقة الهوية والاتجار في المخدرات والأسلحة).
والقوم هناك لا يقررون شيئاً ثم ينسونه أو يهملونه، وإنما يتابعون، ويراقبون. وهذه المتابعة أو المراقبة ستنشأ عنها بالضرورة (آلية) ستخرج إلى النور (محكمة) عالمية، يساق إليها كل من ثبت - حسب هذا النظام الرقابي الأمني - أنهم متهمون في قضية من هذه القضايا التي تدخل ضمن إطار هذه الجرائم.
اللافت للنظر في هذا الخبر أنه وضع (العنف والإرهاب) مع (الترويج للمواد الإباحية) وكذلك (الاتجار في المخدرات والأسلحة) في نفس الدرجة. وهذا يعني أن هناك الكثير من المواقع الإلكترونية، التي تسمى (إسلامية)، ويشرف عليها بعض (الدعاة)، سيصبحون مطلوبين قريباً على مستوى الخارج وليس الداخل فحسب.
فمن يقرأ - مثلاً - تصريحاً لمن يصنف نفسه بأنه (عالم) ويقول على رؤوس الأشهاد وبالنص عن أسامة بن لادن: (رجل جاهد في سبيل الله قديماً وكان له جهود في بلاد الأفغان وفقه الله ونصره ونصر به و(لا يزال) قائماً بالجهاد)، فهذا - في تقديري - سيكون (متهماً) حسب النظام الرقابي العالمي الجديد. وآخر يقول في موقعه: (إن واجبنا كما أمر الله تبارك وتعالى ليس فقط جهاد الدفع، بل هو جهاد الطلب، وهو أن يُطارَد الكفار والمرتدون والمجرمون و(يغزون) في عقر دارهم؛ لينضموا تحت راية لا إله إلا الله وتحت كلمة الحق)، فهذا - أيضاً - ستطاله (حتماً) آلية هذا النظام؛ ورغم أن صاحب هذا الموقع أصبح مريضاً حسب ما أعرف، ولم يذكر أن له مشاركات جديدة في الحراك الثقافي مؤخراً، إلا أن بقاء موقعه فاعلاً يعمل، ومحملاً بهذا الكم من ثقافة الحث على (الغزو)، فهذا يعني أن ثمة أشخاصاً آخرين، غير صاحبه، يقومون بالترويج لهذه الثقافة من خلال هذا الموقع، والتي هي وخطاب ابن لادن الإرهابي في المحصلة وجهان لذات العملة.
ولعل هذه الجهود العالمية التي تبذل في سبيل مكافحة الإرهاب، بشتى صوره، تؤكد ما نقوله، ونكرره دائماً، ومؤداه أن العالم في حقبة (العولمة) أصبح مترابطاً، بقدر ما نتأثر به نؤثر فيه؛ لذلك فلن يترك (دعاة) الإرهاب، وثقافة الغزو، يعبثون بمفاهيم الأديان، ويوظفونها لخدمة أهدافهم التي لا تمت للأمن والسلام العالميين بصلة. والأيام حبلى بالكثير من المفاجآت في تقديري.
إلى اللقاء.