في نهاية التسعينيات الهجرية، كان الطلاب يعيشون في بحبوحة اقتصادية ونفسية، ولديهم همة عالية لتحقيق نجاحات متميزة؛ لوجود محفزات مادية ومعنوية.. عندما كنت طالباً في الجامعة كغيري من الطلاب في ربوع المملكة وجدت فرص عمل مختلفة، كنت أخرج من الجامعة لأعمل منقباً في كمبيوتر وزارة المالية لأوامر الدفع.. وفي ذات الوقت أساهم في إذاعة الرياض ببعض البرامج، وأكتب في جريدة الرياض.. وهكذا كان معظم شباب ذلك الزمان يعملون في الشركات والمؤسسات الأهلية.. ومعارض السيارات (وسواقين تكاسي) وموظفين ليلاً في بعض الأجهزة الحكومية (نظام الساعات)، وكان بعض الطلاب لا يلتفت لمكافأة الجامعة وهي حوالي 1000 ريال؛ ذلك أن بعضهم يدخّل 8 آلاف أو 10 آلاف ريال من عدة مصادر، يشهد الله على ذلك، ولم يكن هنالك غلاء معيشة فاحش.. كانت 500 ريال تفي باحتياجات منزل طالب متزوج.. بل إن بعض الطلاب تزوجوا وعمروا فللاً جديدة.. كانت الكتب إما مجانية أو رخيصة، والوضع المادي لكثير من الأسر أيام الطفرة الأولى ممتاز؛ ما خلق نفسيات جميلة، ما زلت أذكرها. كانت الجامعة مهوى أفئدة الطلاب لأسباب عديدة، وجميع الطلاب القادمين إلى الرياض لديهم سكن في الجامعة؛ ما يعني أن ظروف الطلاب والطالبات كانت ممتازة، بل إن الطالب إذا تخرج من الجامعة يصرف له مبلغ 50.000 ريال ومنحة قطعة أرض (جامعية).. هذا فيما مضى من الزمان.
وعايشت أوضاع الطالب المبتعث في أمريكا وبريطانيا، ووجدت ظروفاً ممتازة؛ ذلك أن الملحقية تصرف مرتباً منتظماً وبدل كتب وعلاج وبدل مؤتمرات، وللزوجة مرتب أيضاً، وللأولاد تذاكر سنوية ومكرمات لا تنتهي، والحمد لله.
أما الآن الطلاب والطالبات في وضع لا يُحسدون عليه مادياً؛ لذا قد يرى المقام السامي الكريم الحاجة إلى رفع مكافآت الطلاب في الداخل أسوة بنظرائهم في الخارج 50% وصرفها لهم بانتظام ودعمهم في شراء الكتب، وإيجاد آليات تخفف عليهم أعباء مالية لوسائل التعليم المعروفة، من كمبيوتر لاب توب، وتذاكر، وتصوير، ومشاركات مختلفة، وحضور ندوات خارج نطاق الجامعة (أسوة بالمبتعث)؛ وذلك للمبررات نفسها.. الطالب الذي يأتي من خارج الرياض أو غيرها من المدن يضطر إلى دفع مبالغ للسكن، ويجتمع مع غيره من الطلاب في شقة صغيرة، ويدفع من مكافأته بالإضافة إلى مصاريف سيارته من بنزين وإصلاح وأعطال وغيرها.. وذلك لأسباب ومبررات أهمها ما يأتي:
أولاً: أن الطالب في الداخل (المملكة) لا يقل إن لم يتفوق على الطالب المبتعث أو يتساوى معه، غير أن ظروفه أو ظروفها لا تمكن من الابتعاث لأسباب عديدة لا مجال لذكرها. مضافاً إلى ذلك أن المبتعث حصل على فرصة الابتعاث، والزيادة الأخيرة من خادم الحرمين الشريفين - أطال الله عمره - 50%.. وهل من المعقول أن يحرم طلاب الداخل من فرصة الابتعاث وفرصة الزيادة!! على الأقل يعوض طالب الداخل بالزيادة 50% عن عدم ابتعاثه للخارج.
ثانياً: هجمة الغلاء الشرسة داهمت حياة الطلاب والطالبات؛ ذلك أن بعض الكتب تصل أسعارها إلى ما يقارب 100 ريال، ومكتبات بعض الجامعات لا تحتوي على كل الكتب المطلوبة من أعضاء هيئة التدريس، والمكافأة التي قررت وما زال معمولاً بها مضى عليها زمن طويل لم تعد مناسبة الآن في هذا العصر.. ناهيك عن التأخير في عمليات الصرف التي ينبغي أن تجد لها حلاً فورياً وشاملاً جميع الطلاب.
ثالثاً: طلابنا وطالباتنا يشكلون نسبة عريضة من التركيبة السكانية، ولهم حقوق علينا، وسينعكس ذلك بإذن الله على تحصيلهم العلمي ووضعهم النفسي.. ويخفف من (الاحتقان الاجتماعي) في نفوس هؤلاء الشبان والشابات. أولسنا نقول إنهم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض.. فلا بد من تساوي مكافآت الكليات الأدبية والعلمية.. ذلك أنهم طلاب علم وبعض الطلاب يرغب في الأقسام العلمية فلا يمكّن منها لأسباب كثيرة.
رابعاً: كانت الأوضاع المادية للآباء - أيام الطفرة - ممتازة تقريباً، أما الآن.. فتعب الآباء من متطلبات أبنائهم وبناتهم - كما نلحظ - من خلال مصاريفهم الكثيرة، ولاسيما والغلاء الفاحش، وهذه الزيادة ستسعد الأسر التي ينتمي إليها هؤلاء الطلاب في نهاية المطاف، وستدعم الآباء في مساعدة أبنائهم.
خامساً: كانت الحياة الاستهلاكية بسيطة مقارنة باحتياجات اليوم، وجاءت متطلبات كثيرة ومضى زمن (المشي أو ركوب السياكل والدبابات) الآن الوضع يختلف جداً، وراتب 990 ريالاً للأقسام العلمية و840 للأقسام الأدبية غير كافٍ إطلاقاً.
سادساً: أغلقت أبواب العمل المسائي (التعاوني) أمام وجوه طلابنا، ومن الصعوبة أن تجد طالباً يعمل في المساء ويجد فرص عمل تساعده على الحياة اليومية.
إذن: غلاء، تراجع مالي للأسرة، ندرة فرص عمل، احتياجات تزيد.. أين يذهب هؤلاء الطلاب؟.. من هذا المنبر الحر أناشد المسؤولين رفع مكافآت الطلاب والطالبات 50% داخل المملكة أسوة بنظرائهم خارج المملكة. والله المستعان.