هذا المصطلح ليس من أم رأسي، بل إنه من رأس (رأس الأدب العربي)، الأديب عباس محمود العقاد، وقد وجدته ضمن كتابه الشهير: مطالعات في الكتب والحياة، وأتشرّف بجعله عنواناً لمقالي هذا. |
إن هذا العلم ليس كالعلوم الأخرى التي نجدها في بطون الكتب، ونسمعها من أساتذة أو دكاترة في المدارس والجامعات، أو نجدها في محرك بحث على الشبكة الإلكترونية لا يستغرق إيجادها من خلاله ثواني معدودة! |
بل إنه علم موزع ومفرَّق بين أيدي البشر، بدءاً من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومروراً بالعلماء وهم ورثة الأنبياء، والصالحين من كل أمة، وأولهم صالحو أمة محمد، ثم من يليهم من حكام وقادة وولاة ضربوا أروع الأمثلة في الاحترام والتقدير للصديق وللعدو على حد سواء. |
وإن كان هناك احترام وأدب من حيوان قد يخفى على البعض، كما في قصة النبي سليمان عليه السلام مع النمل، عندما حذّرت نملة قومها من تحطيم سليمان وجنوده لهم، وأردفت بكل احترام وأدب مع نبي الله قائلة: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} |
ونرى صورة من صور الاحترام والتقدير والأدب مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من قِبَل عمه العباس رضي الله عنه، وذلك حين سُئل: |
أيهما أكبر أنت أم رسول الله؟ فماذا كان جوابه رضي الله عنه؟ |
لقد قال: هو أكبر مني، وأنا وُلِدتُ قبله. |
وكذا في قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين خرج يعسُّ ذات يوم، فرأى ناراً موقدة في خباء، وعندما اقترب منها نادى: |
يا أهل الضوء، ولم يقل يا أهل النار، وذلك احتراماً لأهل الخباء، ولا عجب من ذلك فهو والعباس وأبو بكر وعثمان وعلي وغيرهم قد نهلوا الفطنة والفراسة والأدب الجم والاحترام من خير البشر رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه. |
ثم لنرَ أدب واحترام ابن أحد الخلفاء لأبيه عندما أشار والده إلى حزمة مساويك (جمع مسواك) وسأله: ماهذه؟ فأجابه: هذه محاسنك يا أمير المؤمنين، ولم يقل مساويك تأدباً واحتراماً لوالده. |
وقيل إن الخليفة هارون الرشيد - رحمه الله - رأى حزمة خيزران، فسأل وزيره الفضل: ما هذه؟ فأجابه الفضل: عروق الرماح، ولم يقل الخيزران، لأن اسم أم الرشيد الخيزران، فكان قمةً في التأدب والاحترام للرشيد وأمه.وقد سار حكامنا وولاة أمرنا ملوك هذه البلاد المباركة جميعاً على نهج السابقين الأولين من تقدير واحترام العلماء وإجلالهم، ولا يخفى على أحد تسمية الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله -، والملك عبد الله - حفظه الله - لكبار علمائنا بالوالد، وَشيخنا الوالد، و: والد الجميع، وغيرها من ألفاظ التوقير والاحترام لهؤلاء العلماء الأفاضل. |
إن كل ما سبق من أمثلة وشواهد على احترام وتقدير مَن هو أهل للتقدير والاحترام، لَتأكيد على أن الاحترام عِلماً من أجَلِّ العلوم، التي يتوارثها الكرام عن الكرام كابراً عن كابر، وأنه يجب علينا أن ننهل من هذا العلم، وأن نطبّقه على (أرض) واقعنا مع الكبير والصغير، ومع الصديق والعدو، ومع الغني والفقير على حد سواء، وأن نجعل احترامنا ليس وقفاً على مَن ينفعنا فقط، بل الاحترام الحقيقي والصادق هو احترام مَن ينفع الناس جميعاً. |
|
|
أحب مكارم الأخلاق جَهدي |
وأكره أن أعيب وأن أُعابا |
وأصفح عن سباب الناس حلماً |
وشر الناس مَن يهوى السبابا |
فمن هاب الرجال تهيبوه |
ومَن حقر الرجال فلن يُهابا. |
|