الإلقاء أهم ميزة تميز الشاعر عن غيره وذلك طبعاً إذا كان شاعرا يجيد صياغة القصيدة، فالجمهور قد يطرب لقراءة قصيدة في مجلة أو كتاب لكنه يفضل سماعها في أمسية أو بمجلس من شاعرها مباشرة، وهذا الشاعر لو ألقاها كما يقرأ البعض في كتاب (مطالعة) أو قصة قصيرة لما استمع إليه الجمهور بإنصات وتركيز لأنه قد يسري إليهم الفتور والملل، ولكن إذا كان الشاعر يجيد فن الإلقاء بطريقة (مثيرة) وجذابة للجمهور ويشد انتباههم بحركاته وسكناته ويطرب بإيقاعات الشعر الجميلة لشد إليه كامل انتباه الحضور، وقد شهدنا في عدد من المناسبات والأمسيات كيف كان يردد الجمهور نهاية شطر البيت الثاني خلف الشاعر وبصوت واحد كما شهدنا التصفيق الحاد لبعض الأبيات التي تعجب وتشد الحاضرين، ومن الشعراء من أبكى الجمهور بكلماته ومنهم من أضحكهم بأبياته، ولهذا نحن يعجبنا ويثير فينا الحماسة الخطيب الجيد صاحب الصوت الجهوري الحاد الواضح الذي يعرف متى يقول ومتى يتوقف ومتى يرفع صوته ومتى يخفضه وكيف يجعل الحضور يتفاعل مع كل بيت، ويطربهم كما يطرب الفنان بغنائه مع الفارق طبعاً بين هذا وذاك!!
لاحظنا في فترات سابقة أن الشاعر الكبير خلف بن هذال العتيبي قد أصبح مدرسة شعرية جديدة في الإلقاء (الحماسي) وقصائده الوطنية فسمي شاعر (الوطن)، وقبل فترة حاول البعض التغيير إلى (التغنج) في القصيدة ليأتينا الشاعر ناصر الفراعنة بسجعاته الجميلة وكلماته المركبة وطريقة إلقائه فتحول البعض إلى محاولة تقليده. وعلى الرغم من أنني أتمنى أن نرى طرقا مختلفة وجميلة في إيصال القصيدة بسلاسة وعذوبة إلى المتلقين لكننا لا نحبذ أن يتحول كل شاعر إلى نسخة مماثلة من شاعر آخر، فالتجديد مطلوب لكن بما يخدم القصيدة وبما لا يحولها عن مسارها المتعارف عليه مع الحفاظ التام على هويتها التي توارتثها الأجيال.
محمد راكد العنزي
محرر جريدة الجزيرة بمحافظة طريف
alanaze3@hotmail.com