لا تزال الدنيا بخير والحمد لله وبخاصة في هذه البلاد المباركة حكومة وشعبا. وهذا لا يحتاج إلى دليل أو برهان فالكل يشهد لهذه البلاد وأهلها بالأصالة والنبل والشهامة بخاصة من قبل إخواننا العرب والمسلمين في جميع أرجاء المعمورة. ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال تطبيق الدولة للشريعة الإسلامية وخدمة الحرمين الشريفين ودعم قضايا العرب والمسلمين ومد يد العون والمساعدة إلى المحتاجين في جميع أنحاء العالم بخاصة عند تعرضهم للمحن والكوارث سواء من قبل الحكومة أو الشعب. وأعتقد أن نعت المملكة العربية السعودية بمملكة الإنسانية لم يأت من فراغ بل كان اسما على مسمى.
ومع هذا فإن لكل قاعدة شواذ كما يقال وأخص منهم الصيادين في الماء العكر ممن تجردوا من القيم الدينية والأخلاقية وأصبح همهم الأول والأخير كيفية الحصول على المال بأي طريقة حتى لو كانت عن طريق النصب والاحتيال. فبالأمس القريب خرج لنا أناس في مؤسسات تعمل في مجال المساهمات العقارية أقل ما يقال عنها أنها مؤسسات وهمية واستغلوا الإعلام عن طريق الترويج لمشروعاتهم البائسة. وقد نجحوا في دغدغة مشاعر المواطنين في الحصول على أرباح عالية قالوا إنها لا تقل عن 30% من رأس المال. وحيث إن البعض منا طيب ولا أقول ساذج فقد باع بيته أو أرضه أو ماشيته أو استدان ودخل في هذه المساهمات أملاً في الربح السريع ولكنه وجد نفسه معدما عندما علم بأن بعض هؤلاء نصابين ومحتالين.
ومرة أخرى تكرر هذا السيناريو عندما استغل هؤلاء النصابون والمحتالون ركن الإسلام الخامس في جمع المال عن طريق تكوين حملات وهمية للحج والعمرة مستغلين حاجة المواطنين والمقيمين لأداء هذه الشعيرة. وقد تبين خسة هؤلاء البشر ودناءتهم عندما وصل المواطنون والمقيمون إلى الديار المقدسة واكتشفوا الحقيقة المرة وهي أن أصحاب هذه الحملات ما كانوا إلا حفنة من الذين مردوا على النصب والاحتيال وأنهم نجحوا في المكر بهم وخداعهم واستولوا على أموالهم بالباطل. ومع أن المبالغ التي تدفع للحملة ليس كبيرة مقارنة بالمساهمات العقارية إلا أن الأثر النفسي كان قاسيا ولنا أن نتخيل عائلة وصلت إلى مكة تريد الحج فوجدت نفسها كاليتيم على قارعة الطريق.
لقد دق صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ناقوس الخطر وأعلن من الديار المقدسة بأن الدولة لن تسمح لضعاف النفوس باستغلال موسم الحج لخداع الناس والسطو على أموالهم عن طريق تكوين حملات وهمية كما حدث في الماضي. وأشار إلى أن هناك إجراءات رادعة سوف تتخذها الدولة ضد كل من تسول له نفسه بالمساس بهذه الشعيرة واستغلالها في تمرير مخططاته الوهمية. وهذا بلا شك موقف مشرف يثلج الصدر ويريح النفس جاء من مسؤول كبير يتمتع بقدرة إدارية فائقة وخبرة طويلة ناجحة وقدرة على اتخاذ قرارات فاعلة منطلقاً من توجه الدولة في خدمة المشاعر المقدسة.
أن فتح الباب على مصراعيه لمن هب ودب في فتح مساهمات عقارية أو حملات للحج والعمرة قد يحتاج إلى إعادة نظر. لذا فإن التحري عن الشخص أو المؤسسة قبل إعطاء التصريح له بمزاولة النشاط أصبح مطلباً ملحاً سواء من الناحية المالية أو السلوكية. ولقد توصل العالم المتقدم إلى هذه الآلية بحيث أصبحت هناك هيئات تقييمية متخصصة ومستقلة تزكي الأشخاص والمؤسسات وتمنحها المستوى الذي تستحقه من التقييم في كثير من القطاعات الحياتية سواء كانت مالية أو صحية أو تعليمية أو خدمية أو مهنية وغيرها. ولا شك أن هذا الأسلوب سوف يحول بين النصابين والمحتالين وبين تحقيق أهدافهم الدنيئة. كما أنه يجعل المواطن على بينة من أمره ويستطيع أن يتخذ قراره بناء على تلك التوصية. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة