Al Jazirah NewsPaper Friday  12/12/2008 G Issue 13224
الجمعة 14 ذو الحجة 1429   العدد  13224
صاحبي تركي.. والأحمر الشقي!
رمضان جريدي العنزي

صاحبي تركي

لا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أكتب عنه وأن لا أجعله بطلاً لمقالتي هذه

ففي هذه اللحظة تبلورت في ذهني صورته السمراء.

وهو يخوض تجربه الحب والحياة والمعاناة ونقاء السريرة

رغم مصاعب الحياة التي تعتريه

لكنه يزداد قوة وإصراراً وصلابة

***

صاحبي تركي

ينكشف كل يوم أمام قامته الطويلة ويغتسل فيها

يحاول التخلص من بلاده الناس حوله وثقلهم

دائما يتعجل الحب

ويتواصل معه بعمق

يمقت البغض والكراهية

ويتمنى زوالهما

للبوح عنده تجرد

لديه ممارسات فريدة للحياة

يحب التجرد من أوبئة الحياة وأدرانها

يملك انبعاث عجيب في الصدق والتجلي وتجسيد الجماليات

***

صاحبي تركي

تهتويه الصحراء لأنه نابع منها

ملتحم بها ومنصهر فيها

الصحراء مرتعه

وملاذه

ومكانه الكوني

يكره الغرف والأقبية

والأماكن المغلقة وعفونتها

عندما أراه يخيل لي إلى أنه بطل لقصه لم تكتب بعد

***

صاحبي تركي

حمل صخره الحياة الثقيلة فوق ظهره خمسين سنه

حتى انحنى ظهره

مسلما نفسه وقدره ومصيره للأتي

يسوق نفسه بقوه من أجل إطعام زغب الحواصل

متجاوزا بقوه روحه كل ما يعوقه

دون عجز أو تهاون

ودون أن يحيد عن طريقه

يتلمس إيقاع الأحداث بهدوء

ويتخطاها دون إحداث أثر

يجيد قراءه الماضي ولا ينساه

ويحن لمراتع الصبا

وانكسار اليتم

وعتمة الحاجة

وضيق اليد

وجفاف الحال

وبيت خشبي عتيق

وسيارة صفراء متهالكة

وموقد غاز قديم

وفرش باليه

وأم طاعنه أعياها المرض الطويل قبل أن ترحل عن الحياة

ورجل اسمه (مفلح) رث الثياب ينفث الدخان بلا وجل

أشعث

أغبر

أحرقته جمره الدنيا حتى عاد بلا عقل

***

صاحبي تركي

عكس صديقه الأحمر الشقي

الذي يقتات على سلبيات الآخرين

له لسان طويل ذو امتداد لا متناهي

يسلق به الآخرين

صباح مساء

مزهو هو بهوس التفرد

وهوس الفوقية

وهوس التعالي

وهوس الذكاء

ينزع دائما إلى أن يكون فوق النقد

ويسمح لنفسه النقد

يحاول أن يكون كالآخرين الكبار

يستميت بتقليد نجاحاتهم

ركض طويلا هنا وهناك

سقط قام.. سقط قام

انكسر لأنه مكبل بالأماني الصعاب

له قامة

لكن ليس له ظل

في روحه مخزون كبير من الألوان المتنافرة

ومخزون كبير من الصور المعاكسة

وضحكة هبلة يطلقها حين يشتهي ويريد

هذا الأحمر الشقي

يحاول أن يقلد مشية الحمامة

لكنه لا يجيد سوى مشيه الغراب

يحاول أن يكون بريئا نظيفا

لكنه موغلا في الخطيئة

يحاول أن يتلبس كلام الشعراء

لكنه لا يجيد سوى قول الهجاء من الكلام

يحاول أن يحيط نفسه بحضور طاغي

وزخم متفرد

يحاول أن يهطل على الأرض بكثافة

ليصنع له مآثر في كونه ومحيطه

لكنه لا يستطيع

كونه متخم بحب الذات

ونرجسية الذات

هذا الأحمر الشقي

يتميز بكل هذه الأشياء المكفهرة

لكنه يكابر ويحاول أن لا يعرف

***

صاحبي تركي

عكس صديقه الأحمر الشقي

مثل ندره المطر

في صحراء قاحلة

يشبه الزهر

وضوء الشمس

وانبهار المكان

وتجلي الصورة

رغم كرات الثلج المتدحرجة في حياته

التي شاكسته وداعبته وآلمته وأدمته

ورغم فتور عضلاته وضمور جسمه

وجحوظ عينيه

إلا أنه يملك بريقاً كالشمس

وهامة كسعف النخيل

وخرير ماء في ساقية تاريخية

***

صاحبي تركي

له في أيام حياته الماضية رغم بساطتها زوايا مضيئة

كل يوم يرسم صوره جديدة

ويردد نغما جميلا

ويطلق الرغبات العابقة بالنقاء

ويعلن عن نفسه بأنه رفيق البسطاء الأسوياء

وأن خيمته العتيقة ذات الأثاث البسيط

تحوي هواء نقيا وجو عالقا بالألفة

يعشقها كل من آوى إليها

ويحاول أن يعود إليها ثانية

***

صاحبي تركي

عكس صديقه الأحمر الشقي

يهبط على النفس

يتوغل فيها

يغمرها بالسكينة

تأنس له

وينام فيها بهدوء كالأطفال

***

صاحبي تركي

وصديقه الأحمر الشقي

نموذجان واقعيان لحياه مليئة بالمتناقضة العجيبة

أبدا مثل حالات الخير والشر

أحدهما عنوانا للسلام والطمأنينة

والآخر عنوانا للحرب والدمار

ومثل حالات الثلج واللهب

أبدا لا يلتقيان



ranazi@umc.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد