أهي ثقافة شائعة؟ أم غريزة أصيلة داخل النفس البشرية؟ ولم تتضح ملامحها جيداً إلا مؤخراً من خلال الحالات الكثيرة التي تظهر يومياً من (العنف) الذي انتزع البسمة من فوق الشفاه؛ كلما رأينا طفلة أو طفلاً أو امرأة أو حتى رجلاً يمارس ضد أحد هؤلاء نوعاً من الممارسات العنيفة التي لا تتوقف.. طفل لم يتجاوز العاشرة يفقد حياته بسبب العنف الذي مارسته عليه أمه....
.... بمشاركة زوجها، وطفلة تقتلها زوجة الأب خنقاً، وتحرشات جنسية في شوارع العواصم العربية.. روت لي إحدى الصحفيات العربيات عبر (الماسنجر) عن واقعة تعرضت لها هي حين تعقبها أحد الشباب ليغازلها في الطريق العام، ولما لم تلتفت إليه وخزها بطرف سيارته فأوقعها على الأرض وتركها هارباً من دون أن تستطيع النظر إلى لوحة سيارته لحفظ الأرقام، فالارتطام بالرصيف كان قوياً لدرجة أجلستها في البيت أسابيع تتلقى العلاج، وإحصائية تقول: إن هناك عدداً كبيراً من الرجال يتعرضون لممارسات عنف من قبل الزوجات، لكن نسبة قليلة منهم من يوثق هذه الاعتداءات بإبلاغ الشرطة، لأن الكثير من الرجال بالطبع تصيبهم حمرة الخجل حين يفكرون مجرد تفكير في الإعلان عن ضرب زوجاتهم لهم مُحدثات حالات تستوجب التدخل العلاجي.
العنف يا سادة يلف الآن عالمنا، وأعود لأتساءل ما فائدة الأيام العالمية التي تدعو إلى نبذ العنف؟ وما فائدة الدعوات الرسمية بالبريد العادي أو عبر البريد الإلكتروني لحضور فعاليات منتدى ينادي بوقف العنف.
أوقفوا العنف ضد النساء، دعوة ترفعها الجمعيات الحقوقية النسوية.. أوقفوا العنف ضد الرجال، دعوة ترفعها الجمعيات (الرجالية).. أوقفوا العنف عن الأطفال، مطالبات كثيرة تنادي بوقف العنف لدرجة تصور هذه الممارسات كأنها حالة ميئوس منها.
دخلنا النفق، وأغمضنا عيوننا، أو كأنها ماتت، أو أصبحت كعين السمكة لا تملك أي تعبير حين نسمع أو نرى ممارسات عنف، أو دعوات تطالب بوقف العنف، وهذا طبيعي تبعاً لمقولة (تكرار الفعل يزيل الدهشة منه)، وقس على هذه المقولة كل مناحي الحياة اليومية التي نحياها، نسمع ونقرأ يومياً عن ممارسات عنيفة لقوى الاحتلال على الشعب المحتل، ما الفارق بين ممارسات العنف التي يقوم بها المحتل، وممارسات العنف التي تمارسها الزوجة على أطفال زوجها أو يمارسها زوج على أطفال زوجته أو أي من مظاهر العنف التي تتولد يومياً ويُحتفل بها على الصفحات الأولى والأخيرة من الصحف اليومية، لعل الإلحاح والمطالبة بوقف هذه المظاهر العنيفة يؤتي ثماره، لكن حتى الآن لم يؤت أي ثمار، ربما لأن القوانين المعتمدة لدى الدول العربية المناهضة لفعل العنف لم تفعّل على أرض الواقع تفعيلاً حقيقياً، أو أن مجرد تعريف (العنف) في البداية هو الذي يحتاج إلى تعريف جامع مانع، حتى لا يدخل كل من (هبّ) و(دبّ) تحت قائمة العنف التي نتحدث عنها.
الحقيقة أنني سمعت أن هناك ما يسمى بالعنف اللفظي، هذا النوع أيضاً له أضراره النفسية الرهيبة، خصوصاً على الأطفال، وهناك عنف أيضاً في أماكن العمل يمارس بشكل شبه يومي، بين الزملاء بعضهم البعض، أو بين الموظفين ومديرهم، وإلا لما وضعت بعض المؤسسات في الدول التي تعي خطورة هذا النوع من العنف في أماكن العمل (دمية) تشبه المدير في غرفة خاصة، ويسمح لأي موظف أن يدخل هذه الغرفة ليقوم بضرب هذه الدمية كيفما شاء، حتى لا يتعرض المدير نفسه لنفس مصير الدمية.
حقيقة بعد كل هذا الكلام أجد أن العنف أو الكلام عنه يصيب بالإحباط، وكأننا نتحدث عن أناس آخرين يعيشون على سطح كوكب آخر غير كوكب الأرض، أناس انتزعت من قلوبهم الرحمة، أناس ساديون يتلذذون بتعذيب الآخرين - وبالطبع هؤلاء الآخرون - لا بد أن يكونوا الأضعف.
حلقة تلو أخرى، وكلام تلو كلام من دون سَنِّ قانون صارم لا يرى كبيراً ولا صغيراً لكل من يقوم بأي من الممارسات العنيفة حتى ولو كان لفظياً، وحتى لو كان من الأب أو الأم تجاه أحد الأبناء، وإذا كان هذا القانون الذي يحمي موجوداً، فإنني أناشد جميع الدول العربية بضرورة سرعة وتفعيل هذا القانون، وإدخاله حيز التنفيذ الصارم حتى لا نفقد جيلاً بأكمله خارجاً إلى دنيانا بما أسميه أنا الآن (ثقافة العنف).. وأخيراً ارحموا أبناءنا يرحمكم الله!
aboelseba2@yahoo.com