ما شرع الله سبحانه وتعالى من عبادة إلا وفيها من المنافع العاجلة والآجلة والخاصة والعامة على الفرد والمجتمع ما يعلمه من علم مقاصد التشريع، وأعمل عقله وفكره في تلمس الحكم سواء كانت هذه العبادة ركن من أركان الإسلام، أو أركان الإيمان، أو ركن في عبادة أو شرط أو واجب أو سنة أو مندوب، ويتجلى ذلك في مآثرها الجليلة والعظيمة الذي يراها ويحس بها المتعبد إذا أتى بها متحققة الشروط منتفية الموانع، فمن هذه العبادات الركن الخامس من أركان الإسلام الذي أمر الله به فقال: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وقال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).
وقد شرع الله عبادة الحج لجميع الأنبياء، فكل الأنبياء - عليهم السلام- قد حجوا البيت العتيق، ولكن بشرائع مختلفة، وقد أمر الله نبيه إبراهيم -عليه السلام- بالنداء للحج فقال سبحانه: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.... الآية} فحقا على كل من سمع هذا النداء أن يستجيب له، وأن يعلم هذه المنافع التي أثبتها الله وأمر بالسعي في تحصيلها.
خذ أخي القارئ شيئاً من هذه المنافع وابحث عمن لم تجده هنا: المنافع المذكورة في الآية منافع دينية، ومنافع دنيوية، جمعا بين قول من قال إنها دينية فقط، ومن قال إنها دنيوية فقط، فأعظم هذه المنافع وهو أهمها: امتثال أمر الله بأداء فريضة الحج، مع ما في ذلك من مغفرة الذنوب والرجوع من الحج كيوم ولدته أمه. ومن أعظم هذه المنافع وخصوصاً في وقتنا الحاضر الدعوة إلى تصحيح العقائد والعبادات بالقول أو الفعل كتوزيع الكتب النافعة والأشرطة المفيدة، وهذه منافع عظيمة ولا شك، سواء كان ذلك في حق الداعي إلى ذلك وهو المصلح، فإنه يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه..) الحديث، أو المدعو وهو المصلح حيث رزقه الله بمن يصحح له دينه الذي هو رأس ماله.
ومن النافع: تحقيق التعارف الذي هو من أعظم الحكم لخلق الله للناس كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} ومن المنافع العظيمة: إدراك ما نحن فيه من نعمة الأمن ورغد العيش، وذلك بفضل الله أولاً ثم بفضل ولاة الأمر في هذه البلاد -وفقهم الله- الذين لم يألوا جهداً في تسخير كل ما من شأنه راحة الحجيج، ولذلك لزاماً على كل مسلم أن يشكر الله على هذه النعم بالقول والقلب والجوارح، وأن يعرف لأهل الفضل فضلهم، فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله. والناظر في حال الناس مع الحج قبل توحيد هذه البلاد على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز حيث كان الشخص الذاهب للحج في حكم المفقود حتى يرجع وقد لا يعود لقلة الأمن أو انعدامه، والمشقة التي تلحق قاصد البيت العتيق، ليدرك جيداً ما نحن فيه اليوم من الأمن والأمان، نسأل الله أن يديمه علينا وعلى المسلمين.
ومنها: السرور والاغتباط والتفاؤل برؤية كثرة المسلمين الذين يأتون من كل فج عميق، ومن جنسيات مختلفة، بل ومن كل بلد ودولة في العالم. ومنها: الالتقاء بالمشايخ والعلماء وطلبة العلم والدعاة والمصلحين من شتى بقاع الأرض. ومنها: إعانة الملهوف، ومساعدة المحتاج سواء بالمال أو البدن أو غيره. ومنها: استجابة دعاء الحاج حيث شرف الزمان والمكان ومناسبة الحال إذ إنه مسافر والمسافر مستجاب الدعوة. ومنها: ما يحصل من منافع دنيوية كالبيع والشراء وكسب الخبرات، وعقد الشراكات التجارية، والتأجير سواء المساكن أو وسائل النقل، أو غيرها، وحتى تأجير النفس في توظيف الخدمة أو الدلالة أو الحراسة، أو الذبح والنحر، وغيرها كثير.
* حائل
wwwhailqq@gmail.com