تدور في الميدان التربوي تساؤلات تتعلّق بالمعلّم تتباين الإجابة عنها ما بين مؤيِّد ومعارض، وما بين مناصر ومهاجم، فهل المعلم حسب نظر البعض ظالم أم مظلوم؟ وهل المعلم مفتر أم مفترى عليه؟ وهل المعلم مخطئ أم هناك من أخطأ عليه؟ وهل المعلم مدع أم مدعى عليه؟ وهل المعلم يلوم أم يلام؟ وهل المعلم هو السبب في ضياع هيبته أم المتسبّب في ذلك غيره.
كل هذه التساؤلات اليوم تذكّرنا في جدلية عقيمة قديمة أزلية وهي هل البيضة أولاً أم الدجاجة؟
بغض النظر عن هذا وذاك يظل المعلم حجر الزاوية في العملية التربوية والتعليمية ويظل المعلم ربان السفينة التعليمية وقائدها وموجهها وأي قصور منه يطول العملية التربوية برمتها.
تزيد قناعاتي يوماً بعد يوم بأن المعلم ظالم ومظلوم ومفتر ومفترى عليه ومدع ومدعى عليه.
أكاد أجزم أن عدداً غير قليل من المعلمين مظلومون ومفترى عليهم ومدعى عليهم ولكن في المقابل هناك الكثير من المعلمين ليسوا كذلك، بل هم كما يُقال (مع الخيل يا شقراء) يرددون ما يُقال عن المعلم ويتوهمون ما يتداول ويصدّقون ما ذكر وفي الحقيقة أنهم معزّزون مكرّمون ينعمون بعيش رغيد ويتمتعون بمميزات جيدة وعملهم مريح وبيئتهم التعليمية مشجعة ولكن عطاءهم ضعيف.
ولعلي أضرب مثالاً على ذلك لمسته عن قرب في إحدى المدارس القريبة من كلية تربوية تزوّد هذه الكلية المدرسة كل فصل دراسي بعدد من المتدربين (المطبّقين) الذين يساعدون المعلمين في التدريس ويخفّفون من أنصبتهم التدريسية ولا يتعدى نصاب المعلمين في هذه المدرسة ثلاث عشرة حصة ولا يتعدى طلاب كل فصل عشرين طالباً.
ومع هذا تجد التسيّب واضحاً والتبرّم دائماً والأنشطة معدومة ولم يتغيّر أداء المعلمين، بل أصبحوا عبئاً على المدرسة، فطرائق تدريسهم عقيمة قديمة وفاعليتهم تكاد تكون معدومة. ومثل معلمي هذه المدرسة كثير وبخاصة معلمو الهجر والقرى.
إنك لو قلت لمعلم ما: لماذا لا تبدع ولماذا لا تكون جاداً؟ لقال لك: كيف تريدني أن أبدع وأن أكون جاداً وهيبتي مفقودة وفي الصف أكثر من أربعين طالباً ونصابي التدريسي أربع وعشرون حصة، وفي الواقع أن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعل المعلم لا يبدع ولا يكون جاداً فقد رأينا معلمين يأخذون النصاب الكامل وهيبتهم حاضرة وشخصيتهم محبوبة وعملهم مؤثّر وطلاب الصف الواحد عندهم لا يقل عن أربعين طالباً ومع ذلك هم مخلصون منتجون.
التعليم رسالة ومن جبل على الجدية والإبداع لا يمنعه كلام المخذّلين ولا لوم المتقاعسين عن تحقيق أهدافه والوفاء برسالته.
كم نحن بحاجة ماسة إلى معايير أكثر دقة ومواصفات أكبر عمقاً عند اختيار المعلمين، وكم نحن بحاجة إلى وجود حوافز ومميزات تبعد المثبطين والمهملين الذين يتزايد عددهم يوماً بعد يوم. أتمنى ذلك حتى لا يكون التعليم كما يقال مهنة من لا مهنة له.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
albashri@yahoo.com