بعد أن يسر الله موسم هذا الحج، وأتم وفود بيت الله حجهم بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل الجهود الجبارة التي تبذلها الجهات المعنية في هذه البلاد، أود أن أعيد التذكير بموضوع مهم وخطير، وهو ظاهرة التحايل على أنظمة الحج التي فرضتها الدولة لأسباب داخلية وخارجية الهدف منها السيطرة على انسيابية الحج، وتساوي الفرص لجميع المسلمين بعد أن فاقت أعداد الحجاج القدرة الاستيعابية للمشاعر المقدسة، وأصبح ولي الأمر مضطراً للبحث عن حلول لهذه المعضلة.
وقد كان من نتيجة ذلك اتخاذ عدد من القرارات التنظيمية التي من أهمها وأولها ضرورة الحصول على رخصة أو إذن رسمية للحج، والسماح للمواطن والمقيم بالحج مرة كل خمس سنوات للتأكد من عدم تكرار الحج سنوياً.
وكان ثانيها إلزام حجاج الداخل بالحج عن طريق مؤسسات أو حملات الحج، ومنع استخدام السيارات الفردية للحد من تزايد أعداد السيارات في مكة المكرمة في موسم الحج.
وثالثها سعي الدولة- وفقها الله- بكل جد واجتهاد لتوسيع المشاعر المقدسة وإنشاء الجسور والأنفاق وعمل كل ما يمكن عمله من أجل زيادة الطاقة الاستيعابية والتيسير على حجاج بيت الله غير أنني هنا سأتوقف عند القرارين الأول والثاني لأناقش ظاهرة مقلقة ألا وهي لجوء بعض حجاج الداخل إلى التحايل على هذين التنظيمين، ومحاولة الحج دون الحصول على إذن، ودون الانضمام إلى حملات الحج..
وقد سألت كثيراً من أولئك الحجاج، فأجابوا بأن السبب هو ارتفاع تكلفة الحج مع الحملات الجماعية، وأن ذلك فيه استغلال ظاهر من قبل بعض الانتهازيين والمتاجرين بحجاج بيت الله، حتى أصبحت ورقة الحصول على الرخصة تباع لطالب الحج بمبلغ ثلاثة آلاف ريال أو أكثر.
ويرى كثير من المواطنين أن ربط رخصة الحج بتلك الحملات هو السبب الرئيس في العزوف عن الحصول على الرخصة. أما السبب الثاني والأخطر في نظري فهو التحريض غير المعلن لبعض علماء الدين ضد هذا التنظيم، وإيحائهم للعامة بأنه لا غضاضة في الحج دون الحصول على الرخصة الرسمية.. بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ليقول للعامة والبسطاء إن هذا التنظيم نوع من الصد عن الحج إلى بيت الله، وأنه يدخل في قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(25)سورة الحـج.
والأخطر من هذا أن يقول ذلك علماء محسوبون على العلم الشرعي وعلى الدولة، غير ناظرين إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد، وغير آبهين بمسألة طاعة ولي الأمر، ولا مقدرين لعاقبة تحريض الدهماء على كسر الأنظمة التي يصدرها ولي الأمر للمصلحة العامة للمسلمين.
سمعت عن هذا من أكثر من واحد، وسمعت بأذني ما هو أخطر من ذلك فقد كنت في محاورة مع أحد المقيمين المتمردين على تنظيم حجاج الداخل، وهو يقول متبجحاً: أنا أحج كل سنة بدون رخصة! فقلت له كيف تعصي ولي أمر المسلمين في البلد الذي آواك؛ في هذه المسألة التي وضعت من أجل خدمة الحجاج؟ فكان رده أن قال: (ليس هناك ولي أمر منذ أن منع الجهاد في أفغانستان!!).
إن هذا وأمثاله كثر في مجتمعنا للأسف لكن أن يصل الأمر إلى بعض العلماء والمتنفذين فهذا هو الشر بعينه! ولا أدري كيف يفوت على أولئك أن الذي أمر بتلبية نداء إبراهيم عليه السلام هو الذي أمر بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله!
أهيب بالمسؤولين بإعادة النظر بمسألة إلزام الحاج السعودي بالحملات التجارية لأن السعوديين فيهم من يملك سكناً في مكة، أو لديه أقارب وأصدقاء فيها، مما يجعل إلزامه بالحج عن طريق الحملات سبباً لابتزاز أصحاب المكاتب، ويـجعله يبحث عن حيلة يتخلص بها من دفع هذا المبلغ! أما أولئك الذين يفتون في الخفاء؛ فأرجو أن تنتبه الدولة لهم، وأن تحد من خطرهم في تأليب الناس ضد القيادة وأنظمتها الهادفة إلى تحقيق مصالح عليا قد لا يفهمها أولئك.!